الاثنين، 30 أبريل 2012

كن حرا فالحرية نشيد الحياة


الزمن المر
عاش أسد في غابة يصول ويجول ، ويحكم ويرسم ، كما يحلو له ،دون حسيب أو رقيب ، وقد صفا له الزمان فكان في رغد من العيش ، ويزهو ويشمخ .
شرد في تفكيره وسرح في خياله فقال: لقد عشت دهرا في هذه الغابة ولا أعلم شيئا عن العالم حولي ! فلماذا هذا الجمود؟ سأخرج من غابتي فأرى الدنيا الواسعة بما فيها من مخلوقات، وجبال وأوديه وتلال ووهاد  و..
خرج من الغابة وحيدا فريدا حيث قادته المقادير إلى البرية فرأى العجائب ، ولكنه تعب وعطش وقرصه الحر، ذهب يستظل تحت شجرة وارفة الظلال، وجد عندها ثعلبا، استقبله هاشا باشاً مرحّباً مغدقاً عليه من كرم الضيافة الشيء الكثير ! ثم أخذ يحدثه بالقصص والروايات والنوادر والطرائف حتى اطمأنّ الأسد، ووثق به، والثعلب ينوي الإيقاع بالأسد فهذه المنطقة في عرفة ملك له.
قال الثعلب: أيها الملك نحن في هذه البرية الواسعة لا أنيس ولا ونيس، تعال نلعب بهذا الحبل، تربطني وأربطك وأشد وتشد وتنط وأنط ..
قال الأسد: نعمّ الرأي ! ماذا تريد بالضبط ؟
قال الثعلب: اربطني إلى جذع هذه الشجرة لأرى كيف تربط الملوك. 
أخذ الأسد يربط الثعلب، والثعلب يتظاهر بعدم الاكتراث رغم ما يشعر به من ألم ثمّ حل الرباط.
قال الأسد: دورك الآن أرني كيف تربط !
أخذ الثعلب الحبل، وبدأ يوثق الأسد إلى جذع الشجرة ، ويشد ويعقد حتى لم يُبق موضعا منه إلا وأوثقه ثم تركه على هذه الحالة ليلاقي مصيره المحتوم .
انتظر الأسد طويلاً مزمجرا غاضبا يحاول التخلص دون جدوى . احتار ماذا يفعل . فجأة ظهرت فأره صغيرة، نظرت إلى الأسد فرأته حزينا كئيبا مهموماً بحاله يرثى لها .
قالت له: هل تريد العون أيها الملك ؟
قال: وماذا عساك أن تفعلي أيتها الصغيرة ؟
قالت: أستطيع أن أمنحك الحرية إن أردت .
قال: أوتستطيعين ذلك يا صغيرتي ؟
قالت: إذا طلبت ؟
قال: أريد راجيا .
أخذت الفأرة تقرض الحبل حتى فك الأسد ، وتحرر من قيوده. شكر الفأرة على صنيعها وقال في نفسه: لعن الله هذا المكان وهذا الزمان الذي صار فيه الثعلب يربط والفأرة تفك .
ليس لي عيش في هذه الأرض ! ورجع إلى غابته وقد تلقن درساً لن ينساه طوال حياته .



الأسد والإنسان



الأسد والإنسان
الأسد ملك الحيوانات بلا منازع أو قل هذا هو المتعارف عليه. اشتكى العديد من الحيوانات إلى ملكهم عن ظلم الإنسان، وكيف يسخرهم لخدمته كما يذبح ويأكل ما يشاء منهم ناهيك عن الشتم واللطم.  قرر الملك الانتقام، ولكنه لا يعرف الإنسان فبدأ السير والتجوال ليحظى بطلبته، ويريح رعيته من ظلم الإنسان وسطوته. 
رأى ثورا كبيرا يخور ويتبختر في الحقول فأوقفه سائلا: أأنت الإنسان؟   
قال الثور: لا، أنا الحزين المسكين ، أحرث وأدرس وأذبح و.. رغم ما تراه من قوتي وعلو همتي.  بينما هو في تجواله رأى حمارا كبيرا فسأله: هل أنت الإنسان ؟                                                
قال: أعوذ بالله أن أكون فهو يحملني الأثقال ويركبني وأعمل له عدة أعمال ولا ألقى منه غير الضرب والشتم . ثم وجد جملا هائجا يرغى ويزبد فسأله: إن كان هو الإنسان. قال: لا تغتر بمنظري، وقوتي وكبر جثتي فالإنسان يضطهدني: يحملني الأحمال الكبيرة، ويأكل لحمي، ويجعل الحمار قائدا لي.                        
قال الأسد: ما الإنسان ؟ وما السبيل للوصول إليه؟
مر حطاب وابنه متجهين إلى الغابة فاعترضهما الأسد قائلا: هل أنتما الإنسان ؟                 
 قال الأسد: أريد الانتقام لأبناء جنسي الذين ظلمهم الإنسان.
قال الحطاب: أنا الإنسان وهذا ولدي . فان كنت تريد الانتقام والحرب والنزال فأمهلني حتى أجلب عدتي .
قال الأسد: أين هي هذه العدة ؟
قال الحطاب: تركتها في المنزل .
قال الأسد: اذهب واجلبها.
قال الحطاب: قد تهرب عندما أذهب لإحضارها .
قال الأسد:معاذ الله أن أهرب ، ليس هذا من شيمتي .
قال الحطاب: دعني أربطك إلى جذع هذه الشجرة .
وافق الأسد متحديا . أخرج الحطاب حبله وربط الأسد ربطا محكما . جلب قطرا وغلاه على النار وقال لولده: هات المغراي يا ولد ! ناول الولد أباه " كيله " مملوءة قطرانا ساخنا . اخذ يصب على الأسد، والأسد يحاول الفكاك ويصيح ويزمجر، والحطاب يقول: هات المغراي يا ولد ! والولد يناوله حتى رأى الأسد الموت رأى العين . انقطع الحبل فولى هاربا .
ذهب إلى تله وأخذ يصيح وينادي ، ويطلب النجدة فاجتمع إليه العديد من الأسود . طالب منهم الانتقام من الحطاب اللعين . رأى الحطاب الأسود فصعد وولده إلى شجرة عالية . اتفق الأسود على أن يصعد أسد فوق الآخر حتى يصلوا إلى الحطاب فينتقموا منه . وقف الأسد المجرب ثم صعد عليه آخر وآخر حتى قاربوا الوصول إلى الحطاب . صرخ الحطاب : هات المغراي يا ولد !  عندما سمع الأسد المجرب تلك العبارة انخلع قلبه هلعا ، وولى مدبرا فوقعت الأسود أرضا بين طريح وجريح.  أخذ الأسود يلومون صاحبهم على هذه الفعلة فقال لهم ، اللي ما ذاق المغراي ما بيعرف شو الحكاي !                                                               
المغراي : وعاء بيد طويلة تسخن فيه السوائل .

الكريم و اللئيم


كان ما كان في قديم الزمان رجل يسعى كل صباح باحثا عن عمل يعيش منه لكنه لايجده. وفي يوم من الايام سأل نفسه: الى متى ابقى على هذه الحال؟ وقرر ان يهجر مدينته ويذهب الى مدينة اخرى كي يجرب حظه فيها عسى ان يحصل على عمل يعيش منه. اعد طعام المسير ووضع قربة الماء على كتفه وسار في طريقه وهو يمشي صادفه رجل، هذا الرجل سأل صاحبنا عن اسمه ووجهته، اجابه: بأن اسمه (ابو نية) ووجهته البحث عن عمل يعيش منه في بلدة اخرى، فما كان من هذا الرجل الا ان قال له بأنه ايضا يبحث عن عمل، وطلب مرافقته قائلا له: ان كنت انت (ابو نية) فأنا(ابو نيتين). سارا معا في الطريق، واثناء المسير قال(ابو نية) لصاحبه: لنتفق اذا جعنا نأكل من طعامك ونشرب من مائك، وعندما ننتهي نرجع الى طعامي ومائي. قال(ابو نية)ماشي كلامك نحن الان اخوان وطعامي طعامك.
واخذا يمشيان الى ان تعبا وجلسا ليستريحا. اخرج(ابو نية) طعامه وشرابه واكل الاثنان. وبقيا على هذه الحال الى ان نفد طعام(ابو نية)، وهما يسيران في طريق البحث عن العمل. جاع(ابو نية) وحسب الاتفاق طلب من رفيقه طعاما وماء ولكن(ابو نيتين) رفض اعطاءه ما طلب الابشرط، هذا الشرط هو ان يفقأ احدى عيني صاحبه(ابو نية).
ظل(ابو نية) في حيرة من امر صاحبه هذا ومن شرطه العجيب لكنه ازاء عقارب الجوع وفعلها في معدته وافق على شرط(ابو نيتين). ففقأ(ابو نيتين) احدى عيني صاحبه واعطاه قليلا من الطعام.
اكل صاحبنا الطعام واحتاج الى الماء الذي طلبه من صاحبه(ابو نيتين) لكن هذا رفض اعطاءه الماء الا مقابل فقء عينه الاخرى، وازاء عطشه وافق (ابو نية) على شرط(ابو نيتين) الثاني فقأ(ابو نيتين)عين صاحبه الثانية، واعطاه قليلا من الماءوتركه وغادر المكان مواصلا رحلته، وصاحبه يعاني من الآلام المبرحة.
صاحبنا(ابو نية) لم يستطع مواصلة السير لكنه وصل قرب شجرة جلس تحتها ليستريح. وفي هذه الاثناء سمع صوت سبع وذئب يتحدثان معا. قال الذئب:الله،ما اعظم هذه الشجرة. اجابه السبع: وما وجه العظمة فيها؟ قال الذئب: كم اعمى فتحت عينيه، وكم اخرس نطق وكم مريض شفي، كل ورقة من اوراقها تشفي مرضا.
رد عليه السبع: اذا انت عرفت سر اوراق هذه الشجرة، فانا اخبرك بسر لايعرفه احد غيري. هذه الشجرة مدفون تحتها كنز من الذهب لايعرف احد عنه شيئا. سمع(ابونية) كلامهما وما ان غادرا حتى قام الى الشجرة واخذ ورقة من اوراقها ووضعها على احدى عينيه فشفيت في الحال، وفتحت ثم فعل بالعين الاخرى ما فعله بالاولى وشفيت هي الاخرى.
فرح فرحا عظيما واخذ مجموعة من اوراق هذه الشجرة، وضعها في جيبه وواصل مسيرته الى ان وصل الى مدينة دخلها فوجد الناس مجتمعين امام باب بيت الملك وهم في حالة هرج ومرج. سألهم عن سبب اجتماعهم، فاجابوه: بأن بنت السلطان اصيبت بالخرس واي شخص يخلصها من هذه العلة تصبح زوجا له . واذا لم يستطع شفاءها تضرب عنقه .
قال: انا استطيع ان اكلمها، لكن الناس حثوه على ان لايورط نفسه مع ابنة السلطان، حيث ان الكثيرين قتلوا بسبب عدم قدرتهم على شفائها.
دخل(ابو نية) على بنت السلطان واخرج ورقة من اوراق الشجرة العظيمة العجيبة وضعها على فم بنت السلطان فتكلمت في الحال. فرح الجميع وامر السلطان بزواجها منه، لكن(ابو نية) طلب تأجيل الزواج لفترة من الزمن. اخذ(ابو نية) مجموعة من الرجال وذهب الى الشجرة حفر تحتها واخرج كنز الذهب ورجع الى مدينة السلطان وبنى له قصرا فخما اجمل من قصر السلطان وتزوج فيه بنت السلطان. واخذ يساعد المحتاجين والفقراء واحبه الناس جميعا، وعينه السلطان مسؤولا عن بيت المال فوافق على ذلك.
مرت الايام، توفى السلطان وقام(ابونية) مقامه، وفي يوم من الايام جاء(ابونيتين)الى المدينة، بعد ان سمع بكرم سلطانها ومساعدته للفقراء والمحتاجين. عرفه السلطان وسأله عن حاله فأجابه: بأنه لم يستفد من رحلته ولم يحصل على عمل. غفر (ابو نية) لصاحبه كل مافعله به، وعينه في قصره بعد ان بين للناس بأنه اخوه. لم يستفد(ابو نيتين) من هذه الفرصة، واكلت قلبه الغيرة والحسد، واخذ ينافق على صاحبه السلطان مدعيا ان السلطان سارق، سرق بيت المال وعمل قصرا له وصرف الباقي على الفقراء بحجة انه يصرف من ماله الخاص لكن الناس لم يصدقوه، وهم يعرفون السلطان قبل ان يصبح مسؤولا عن بيت المال.
وفي يوم من الايام جمع (ابو نية) الناس في قصره بحضور(ابو نيتين) وسرد عليهم القصة من البداية وعمله القبيح معه وحكى لهم قصة الكنز وافعال (ابو نيتين) ضده.
احتج اهل المدينة على (ابونيتين) وطالبوا باعدامه كي يتخلصوا من شره وحسده، لكن السلطان لم يوافق على طلبهم قائلا: بأنه يعطيه فرصة اخرى واخيرة وطلب منه ان يذهب الى الشجرة العظيمة ويجرب حظه عندها. ذهب(ابونيتين) الى الشجرة وجلس تحتها في هذه الاثناء جاء الذئب والسبع واخذا يتحدثان. قال الذئب الى السبع: هذه الشجرة لها مميزات كثيرة، قال السبع: انا اعرف عنها اشياء كثيرة مفيدة. لكن السبع والذئب قالا معا: لنفتش حول هذه الشجرة. احتمال ان نجد تحتها احداً يسمع حديثنا ويكشف السر. سارا معا حول الشجرة، فشاهدا(ابو نيتين) مختفيا تحتها، هجما عليه واكلاه، وبذلك تخلص (ابو نية) والناس من شره وحسده وعاش السلطان ورعيته عيشة سعيدة.

كثرة اللقم تطرد النقم




كثرة اللقم تطرد النقم

يحكى أن امرأةً رأت في الرؤيا أثناء نومها أنَّ رجلاً من أقاربها قد لدغته أفعى سامة فقتلته ومات على الفور ، وقد أفزعتها هذه الرؤيا وأخافتها جداً ، وفي صبيحة اليوم التالي توجهت إلى بيت ذلك الرجل وقصّت عليه رؤياها وعَبَّرَت له عن مخاوفها ، وطلبت منه أن ينتبه لما يدور حوله ، ويأخذ لنفسه الحيطة والحذر .

فنذر الرجلُ على نفسه أن يذبح كبشين كبيرين من الضأن نذراً لوجه الله تعالى عسى أن ينقذه ويكتب له السلامة من هذه الرؤيا المفزعة.

وهكذا فعل ، ففي مساء ذلك اليوم ذبح رأسين كبيرين من الضأن ، ودعا أقاربه والناس المجاورين له ، وقدم لهم عشاءً دسماً ، ووزَّعَ باقي اللحم حتى لم يبقَ منه إلا ساقاً واحدة .

وكان صاحب البيت لم يذق طعم الأكل ولا اللحم ، بسبب القلق الذي يساوره ويملأ نفسه ، والهموم التي تنغّص عليه عيشه وتقضّ مضجعه ، فهو وإن كان يبتسم ويبشّ في وجوه الحاضرين ، إلا أنه كان يعيش في دوامة من القلق والخوف من المجهول .

لَفَّ الرجلُ الساقَ في رغيفٍ من الخبز ورفعها نحو فمه ليأكل منها ، ولكنه تذكّر عجوزاً من جيرانه لا تستطيع القدوم بسبب ضعفها وهرمها ، فلام نفسه قائلاً : لقد نسيت تلك العجوز وستكون الساق من نصيبها ، فذهب إليها بنفسه وقدّم لها تلك الساق واعتذر لها لأنه لم يبقَ عنده شيء من اللحم غير هذه القطعة .

سُرَّت المرأةُ العجوز بذلك وأكلت اللحم ورمت عظمة الساق ، وفي ساعات الليل جاءت حيّة تدبّ على رائحة اللحم والزَّفَر(1) ، وأخذت تُقَضْقِضُ(2) ما تبقى من الدهنيات وبقايا اللحم عن تلك العظمة ، فدخل شَنْكَل(3) عظم الساق في حلقها ولم تستطع الحيّة التخلّص منه ، فأخذت ترفع رأسها وتخبط العظمة على الأرض وتجرّ نفسها إلى الوراء وتزحف محاولة تخليص نفسها ، ولكنها عبثاً حاولت ذلـك ، فلم تُجْدِ محاولاتها شيئاً ولم تستطع تخليص نفسها .
وفي ساعات الصباح الباكر سمع أبناء الرجل المذكور حركة وخَبْطاً وراء بيتهم فأخبروا أباهم بذلك ، وعندما خرج ليستجلي حقيقة الأمر وجد الحيّة على تلك الحال وقد التصقت عظمة الساق في فكِّها وأوصلها زحفها إلى بيته ، فقتلها وحمد الله على خلاصه ونجاته منها ، وأخبر أهله بالحادثة فتحدث الناس بالقصة زمناً ، وانتشر خبرها في كلّ مكان ، وهم يرددون المثل القائل :" كثرة اللُّقَم تطرد النِّقَم .

(1) - الزَّفَر : لحم المواشي المشويّ ودهنها ، أما لحم الطيور فلا يُعدّ من الزَّفَر لأنه لا يحتوي على الشَّحم . وتَزَفَّـر : أكل لحماً بعد قَرَم .
(2)- القضقضة : مصمصة العظام ، وصوتها عند كسرها .
(3)- الجهة المعقوفة منه .

قمر الزمان



  
يُحْكَى أنَّ الملك الذي كان يحب الأذكياء، ويقرِّبهم إليه دائماً ، ويسعد بمجالستهم واختبارهم بأسئلته الذكيَّة ، كان في أحد الصباحات يتنزَّه مع وزيره في حديقة القصر الواسعة ، فمرَّا ببحرة رائعة تزيِّنها تماثيل أسود يخرج الماء العذبُ من أفواهها بطريقةٍ مُعْجِبَةٍ وساحرة . شعر الملكُ بالعطش ، وطلب من الوزير أن يسقيه شربة ماء .. فتناول الوزير طاسة فضية كانت على كانت على الحافة ، وملأها ، ثم سقى الملك ، وأعاد الطاسة إلى مكانها . نظر الملك إلى الطاسة بعد أن استقرَّت في مكانها ، ثم التفت إلى الوزير ، وقال :
- أيّها الوزير ! لقد تكلَّمتِ الطاسةُ ، فماذا قالت ؟!
وجمَ الوزيرُ ، وكسا التعجُّبُ ملامِحَهُ ، ولم يدرِ بماذا يجيب .فالطَّاسة جماد ، ولايمكن لها أن تتكلم ، ولكن هل يجرؤ على قول هذا للملك ؟!
ولمَّا طال صمتُ الوزير ووجومُهُ ، صاح به الملك :
- أُمْهِلُكَ ثلاثة أيام لتأتيني بما تفوَّهت بهِ الطاسة ، وإلاَّ نالكَ منِّي عقابٌ قاسٍ !
عاد الوزير إلى بيته مهموماً حزيناً ، ثم دخل غرفته ، وأغلق على نفسه بابها ، وراح يفكِّر ويفكِّر ، ولكنه لم يهتدِ إلى حلٍّ أو جابٍ مقنعٍ ، وراح يتساءل : ( ترى ماذا يقصد الملك بسؤاله ؟ .. هناك جوابٌ ، ولاشك ، يدور في خلده .. ولكن
ماهو ؟! ) .
طالت خلوةُ الوزير في غرفته ، فقلقت عليهِ ابنته الوحيدة ( قمر الزمان ) ، فاقتربت من باب الغرفة ، ونقرت عليه بلطف ، ثم استأذنت بالدخول ، فأذن لها .
قالت ( قمر الزمان ) لأبيها :
- مضى عليكَ يومان وأنتَ معتكفٌ في غرفتكَ ، وأرى الهمَّ واضحاً على وجهكَ، فماذا جرى ياأبي؟!
قال الوزير :
- حدثَ أمرٌ جَلَلٌ يا ابنتي ! .. لقد طرح عليَّ الملكُ سؤالاً صعباً ومستحيلاً ، وامهلني ثلاثة أيام لأجيبه عليه ، وإلاَّ عاقبني عقاباً قاسياً !
قالت ( قمر الزمان ) :
- وماهو السؤال ياابي ؟
قال الوزير :
- سَقَيْتُهُ الماء في طاسة ، ولمَّا أعدتُ الطَّاسةَ إلى مكانها ، قال لي : لقد تكلَّمتِ الطَّاسةُ ، فماذا قالت ؟
ضحكتْ ( قمر الزمان ) ، وقالت ك
- إنَّه سؤالٌ ذكيٌّ ، وجوابُهُ يجب أن يكون ذكيَّاً أيضاً !
صاح الوزير بلهفة :
- وهل تعرفينَ الجوابَ ياابنتي ؟
قالت ( قمر الزمان ) :
- طبعاً .. فالطاَّسةُ قالتْ : صبرتُ على النَّار ، وطَرْقِ المطارِقِ ، وبعدها وصلتُ إلى المباسِمِ ، وما مِنْ ظالمٍ إلاَّ سَيُبْلَى بِأظْلَم !
وعلى الفور ، لبس الوزير ثيابه ، وقصد مجلس الملك ، ثم نقل إليه الجواب كما قالته له ابنته .
أُعجِبَ الملك بالجمواب الذي كان أذكى من السؤال ، ولكنَّه شكَّ في أن يكون الوزير هو الذي اهتدى إليه...
وفي صباح اليوم التالي ، فاجأ الملكُ الوزيرَ قائلاً :
- أيُّها الوزير ! أريدك أن تأتي إلى مجلسي غداً لاراكِباً ولا ماشياً ..وإن فشلتَ، فإن عقابكَ سيكون قاسياً ، وقاسياً جدَّاً !
صعق الوزير للطلب المُعْجِزِ ، وانصرف من مجلس الملكِ مهموماً ، وعندما وصل إلى بيته ، استنجدَ بابنته ( قمر الزمان ) ، وحدَّثها عن طلب الملكِ ، وطلبَ منها الحل .
ابتسمت ( قمر الزمان ) ، وقالت لأبيها :
- وهذا أيضاً حَلُّهُ هَيِّنٌ ياأبي !
وفي صباح اليوم التالي ، أَحْضَرَتْ ( قمرُ الزمان ) لأبيها دابَّةً صغيرةً، فركب عليها ، وذهب إلى قصر الملكِ ، وهو راكب على الدَّابةِ ، وقدماه على الأرض .
ذهلَ الملكُ لِحُسْنِ تصرُّفِ الوزيرِ ودَهاءِ حَلِّهِ ، فأدناهُ منهُ ، وهمسَ له :
- قُلْ لِي مَنْ يقولُ لكَ ذلكَ .. ولكَ الأمان !
قال الوزير :
- إنَّها ابنتي ( قمر الزمان ) يامولاي !
قال الملك ك
- أحضِرها لي في الحال !
ولما مثلت ( قمر الزمان ) بين يديِّ الملك ، أعجبه جمالها ، ولكنَّ ذلكَ لم يثنهِ عن اختبارها في سؤالٍ مُعْجِزٍ ، تكون الإجابةُ عليهِ مستحيلة . قال الملك :
- سأتزوَّجكِ الليلةَ ياقمر الزمان ، وأريدكِ أن تحملي منِّي في الفورِ، وأن تَلِدِي الليلةَ ولداً يكبرُ في ساعات ، ويغدو في الصباحِ ملِكاً يجلس على عرشي !
ابتسمت ( قمر الزمان ) ، وقالت :
- أمركَ يامولاي !
واقتربت من النافذة المطلَّة على جزء كبير من الحديقة لازرع فيه ، ثمَّ التفتتْ إلى الملكِ ، وقالت :
- أريدُكَ يامولايَ أن تحرثَ هذه الأرض الليلة ، وتزرعها الليلة ، وتقطف الزرع الليلة ، وآكل من ثمارها في الصَّبح !
ذهل الملكُ ، ونهض صائحاً :
- هذا غير معقول !!
قالت ( قمر الزمان ) :
- كيف تريدني إذن أن أُنْجِبَ لكَ ولداً الليلة ، ويكبر في ساعات ، ويغدو في الصباح ملكاً ؟!
سُرَّ الملكُ من جواب ( قمر الزمان ) ، ثمَّ عقد قِرانه عليها ، وأصبحت ملكة إلى جواره ، وعاشا معاً حياةً هانئةً سعيدة .

اليوم اصبحت رجلا


يُحكى أنَّ رجلاً ميسوراً ، كان له ولد وحيد ، بالغت أمُّهُ في تدليله والخوف عليه ، حتى كبر ، وأصبح شابَّاً ، لايتقن أيَّ عمل ، ولا يجيد سوى التسكع في الطرقات ، واللهو واقتراف الملذَّات ، معتمداً على المال الذي تمنحه إيَّاه أمُّهُ خفيةً ، ودون علم والده !
وذات صباح ، نادى الأب ولده ، وقال له :
- كبرت يابني ، وصرتَ شابَّاً قويَّاً ، ويمكنك ، منذ اللحظة ، الاعتماد على نفسكَ ، وتحصيل قوتِكَ بِكَدِّكَ وعرق جبينك .
قال الابن محتجَّاً :
- ولكنني لا أتقنُ أيَّ عملٍ ياأبي !
قال الأب :
- يمكنك أن تتعلَّم .. وعليكَ أن تذهب الآن إلى المدينة وتعمل .. وإيَّاكَ أن تعود منها قبل أن تجمع ليرةً ذهبيةً ، وتحضرها إليَّ !
خرج الولد من البيت ، وما إن تجاوز الباب ، حتى لحقت به أمُّه ، وأعطته ليرة ذهبية ، وطلبت منه أن يذهب إلى المدينة ، ويعود منها في المساء ، ليقدِّم الليرة إلى والده ، ويدَّعي أنَّهُ حصل عليها بعمله وكَدِّ يده !
وفعل الابن ماطلبت منه والدته ، وعاد مساءً يحمل الليرة الذهبية ، وقدَّمها لوالده قائلاً :
- لقد عملتُ ، وتعبتُ كثيراً حتى حصلت على هذه الليرة . تفضل ياأبي !
تناول الأب الليرة ، وتأملها جيِّداً ثم ألقاها في النار المتأججة أمامه في الموقد ، وقال :
- إنَّها ليست الليرة التي طلبتها منك . عليكَ أن تذهب غداً إلى المدينة ، وتحضر ليرةً أخرى غيرها !
سكتَ الولد ولم يتكلم أو يحتج على تصرُّف والده !
وفي صباح اليوم الثاني ، خرج الولد يريد المدينة ، وما إن تجاوز الباب ، حتى لحقت به أمه ، وأعطته ليرة ثانية ، وقالت له :
- لا تعد سريعاً . امكث في المدينة يومين أو ثلاثة ، ثم أحضر الليرة وقدِّمها لوالدك .
تابع الابن سيره ، حتى وصل إلى المدينة ، وأمضى فيها ثلاثة أيام ، ثم عاد ، وقدَّم الليرة الذهبية لوالده قائلاً :
- عانيتُ وتعذَّبتُ كثيراً ، حتى حصلتُ على هذه الليرة . تفضَّل ياأبي !
تناول الأب الليرة ، وتأملها ، ثم ألقى بها بين جمر الموقد قائلاً :
- إنها ليست الليرة التي طلبتها منكَ .. عليكَ أن تحضر غيرها يابني !
سكتَ الولد ، ولم يتكلم !
وفي صباح اليوم الثالث ، وقبل أن تستيقظ الأمُّ من نومها ، تسلل الابنُ من البيت ، وقصد المدينة ، وغاب هناك شهراً بأكمله ، ثمَّ عاد يحمل ليرة ذهبية ، وقد أطبق عليها يده بحرص كبير ، فقد تعب حقَّاً في تحصيلها ، وبذل من أجلها الكثير من العرق والجهد . قدَّم الليرة إلى أبيه وهو يبتسم قائلاً :
- أقسم لكَ ياأبي أن هذه الليرة من كدِّ يميني وعَرَقِ جبيني .. وقد عانيت الكثير في تحصيلها !
أمسك الأب الليرة الذهبية ، وهمَّ أن يُلقي بها في النار ، فهجم عليه الابنُ ، وأمسكَ بيده ، ومنعه من إلقائها ، فضحك الأب ، وعانق ولده ، وقال :

- الآن صِرتَ رجلاً ، ويمكنك الاعتماد على نفسكَ يابني ! فهذه الليرة هي حقَّاً ثمرة تعبكَ وجهدك ، لأنَّكَ خفتَ على ضياعها ، بينما سَكَتَّ على ضياع الليرتين السابقتين ... فَمَنْ جاءهُ المال بغير جهد ، هان عليه ضياع هذا المال .

"واولوت" اسم لعين مائية .. واسطورة الشيخ الكيلاني


واولوت" اسم لعين مائية ارتبط اسمها بحكاية شعبية تناقلها الأجداد والأحفاد بنوع من التنويع والتفريع الإبداعي التخيلي . ومفادها أن عجوزا اسمها واولوت كانت تسكن خيمة وسط حي على نفس أرض هذه العين قبل أن يتفجر ماؤها . تملك عنزة تقتات من لبنها ، ولــها (مجرية – مجر ) أي كلبة لها جراء . تقدم بها السن وضعف بصرها . وذات يوم وقبل غروب شمسه ، قدم إلى الحي شيخ ذو لحية بيضاء ، على وجهه وقار رجل تقي ، بيده عصا تساعده في رحلته . تقدم إلى خيمة العجوز وطلب ضيافة الله . رحبت به وأنزلته ضيفا عندها الليلة كلها . طبخت طعاما من نصيب ما تملكه من شعير، سقته بلبن العنزة ، وزينته بلحمها . أكل الشيخ حتى شبع ، وأمر المرأة بالاقتراب منه ، مرّر يده على عينيها فاستردّت بصرها في الحين . طلب منها إحضار جلد الماعز ، مسح يده عليه فأعادها للحياة كما كانت . وفعل نفس الشيء مع خيش الدقيق فامتلأ ، وأوصاها أن تخبر سكان الحي بالرحيل في الغد باكرا ، وضرب أوتاد الخيام في المكان الذي ستنقل إليه الكلبة مجرها . قضت العجوز الليلة في فرح وحيرة متسائلة عن أمر الشيخ . وفي الغد ، غادر الرجل / البركة الخيمة بعد أن وعدها خيرا إذا ما عملت بوصيته . أعلمت المرأة أهل الحي فصدقها الكثير منهم ، وراقبوا كلبتها حتى رأوها تنقل جراها واحدا واحدا بعيدا ، وتضعهم تحت سدر . لم يخامر الشك إلا القليل منـــهم ، فهرعوا إلى نقل خيامهم تباعا إلى أن خلا الربع . وفي نفس اليوم أمطرت السماء سيلا تفجر معه نبع ، وسمّوه منذ ذلك الزمان عين لآلة واولوت .
تناقلت الألسنة قصة العجوز والشيخ فقالوا أن الشيخ هو سيدي عبد القادر الجيلالي جاء من بغداد ، فلما مر بالمكان ورأى ما أصاب الناس من ضيق في العيش بفعل الجفـاف ، لم يتأخر في إكرامهم بنبع دافق فتح عليهم أبواب الرزق بامتهان الزراعة . واعترافا بصنيع الشـــــــيــخ / البركة ، بنى أهل الحي له مقاما يُزار ، سموه مقام سيدي عبد القادر الجيلالي، تنظم فيه وحوله الولائم . ومع الأيام ، اعتاد الناس زيارة المقام والعــين /البركة، يغتسل بمائها قبل شروق الشمس كل من به غبن ما ، عقرا كان أو مرضا أو عنوسة أو حاجة من حوائج الدنيا . ولا تقضى حاجة الطالب - اعتقادا - إلا إذا ذبح دجاجة ، أو رمى رغيفا أو عجينا وسط ماء العين مناديا عن شيء اسمه "مسعود" ، ويعتقد الكثير أنه سمك من نوع خــاص ، يسمع طلب الداعي فيلبي رغبته ، وهو من بركة الشيخ .
هي ذي الحكاية الشعبية التي ارتبطت بعين واولوت ، يرويها كل راو حسب قدراته ، إما بالزيادة أو النقصان لطبيعة الحكي الشفهي . وللتذكير، فإن عين واولوت عرفت في الخمسينات والستينات خصوبة قوية في الأسماك ، فكانت محـجا لكل ولوع بالصيد . ومن الأحداث التي تؤكد ذلك ما ترسخ في أذهان كثير من أبناء المنطقة ، ذلك أنه في سنة 1958-1959 ، وقبل استقلال الجزائر الشقيقة ، كان جيش التحرير الجزائري يتّخذ ضيعة بلحاج ( FERME) الواقعة على مرتفع قريب من العين ثكنة له ، ففكر في استغلال ما بها من أسماك . استعمل متفجرات في العمق ، فطفا السمك على السطح ، وأكل الناس الأسماك لعدة أيام ، وعمّ الاستياء لدى الكثير منهم بسبب هذا الفعل الذي رأوا فيه مسّا بقدسية المكــان . انتشر الخبر وسط القبائل ، فتوافد الناس لمعاينة الأمر، خاصة أن العديد منهم كان يعتقد أن ( الـمـينا ) (المتفجرات ) قتلت " مسعود " . قيل ما قيل ، ومع الأيام تناسوا الحدث ، وأصبح لا يذكر إلا نادرا .