ان كنت عازلتي فسيري نحو العراق ولا تحوري
لا تسألي عن جل مالي وانظري كرمي وخيري
وفوارس كأوار حر النار أحلاس الذكور
شدوا دوابر بيضهم في كل محكمة القتير
واستلأموا وتلببوا ان التلبب للمغير
ولقد دخلت على الفتاة الخدر في اليوم المطير
الكاعب الحسناء ترفل في الدمقس وفي الحرير
فدفعتها فتدافعت مشي القطاة الى الغدير
ولثمتها فتنفست كتنفس الظبي الغرير
فدنت وقالت يا منخل ما بجسمك من حرور
ما شف جسمي غير وجدك فاهدأي عني وسيري
واحبها وتحبني ويحب ناقتها بعيري
يارب يوم للمنخل قد لها فيه قصير
ولقد شربت من المدامة بالقليل وبالكثير
فاذا انتشيت فانني رب الخورنق والسدير
واذا صحوت فانني رب الشويهة والبعير
ياهند من لمتيم يا هند للعاني الأسير
كان النعمان بن المنذر ملك الحيرة قبيح الهيئة ،
وكانت زوجته ( المتجردة ) أجمل نساء زمانها ،
وكان النعمان يغار عليها بجنون ،
وفي ذات يوم شاهدها الشاعر النابغة ،
عندما صادفها فجأة في قصر النعمان (الخورنق)
وبرغم انها انحنت لتلتقط ازارها الذي سقط على الأرض لتداري حسنها ،
الا أن النابغة الذي بهت من جمالها ،
لم يستطع أن يكبح جماح نفسه ،
و انشد قصيدته الشهيرة التي يقول مطلعها:
ســقـط الـنصيف ولم ترد اسقاطه فتناولته واتقتنا باليد
بمخضب رخـص البنان كأنه عنقود من فرط الحلاوة يعقد
وقبل ان يفيق من سكرة الشعر كان سيف النعمان يطلب رأسه ،
فظل هاربا لعشرات السنين ،
وكتب اعتذارياته الشهيرة للنعمان ،
وكان شاعرنا (( المنخل اليشكري )) من أجمل فتيان العرب وأرقهم شعرا ،
الى أن قادته أقدامه التعيسة الى قصر النعمان ،
وأصبح أحد ندمائه ، وبطريقة أو أخرى شاهد المتجردة فوقع في هواها ،
واصبح لا يغادر ( قصر الخورنق ) الا من اجل أن يعود اليه ،
و تناثرت الروايات عن علاقة بين (( المنخل والمتجردة ))
وكان ضيوف الحيرة ، يتهامسون في حضرة النعمان
بأن أولاد المتجردة من النعمان يشبهون المنخل ،
ووصلت الهمسات الى النعمان ،
فقبض على المنخل وأمر باحراق جثته ،
وان يذرى رمادها في الرياح حتى لا يتعرف أحد على مكان قبر المنخل ،
وأصدر أمرا بان يلقى نفس جزائه كل من يذكر اسمه ولو بالمصادفة أو ينشد قصائده .
والمحزن أن خطة النعمان نجحت في القضاء على كل اثر للشاعر والانسان ،
الذي لا نجد عنه شيئا في ذاكرة التاريخ ،
باستثناء هذه القصيدة التي نجحت في التصدي لسيوف النعمان ،
وحفظها الرواة عن ظهر قلب من شدة جمالها وعذوبتها ،
والقصيدة مكونة من ثلاث مراحل ،
كل منها أجمل من الآخر ،
وتدل على خفة ظل الشاعر الذي راح ضحية للاشتباه في غرامه بزوجة النعمان ،
ويبدأ الجزء الاول الذي اختزلناه لظروف المساحة ،
بافتخار الشاعر بقومه على عادة العرب فيذكر انهم تعودوا على الفروسية والحرب
ولا يهمهم المال ويهتمون بالكرم والشجاعة ،
وفي النصف الثاني يصف الشاعر غرامياته مع فتاة الخدر
التي وقعت في غرامه
ويختتمها بالبيت الشهير : ( واحبها… الخ )
الذي يعد من الطف الغزل في الشعر العربي ،
ثم يختتم القصيدة بمفاجأة غير متوقعة
عندما نكتشف أن كل ما كان يرويه مجرد تهيؤات بعد أن لعبت الخمر برأسه ،
وعندما أفاق عاد الى حقيقته البسيطة ليتحسر على أحواله الفقيرة و محبوبته الغائبة .