عــنــدمـا لا يــنــفــع الندم
أروي لكم قصتي هذه خلف أسوار السجن ، لعلها تكون عبرة
لكل فتاة ، لا سيما الفتيات المهووسات بالفنانين المشهورين .
كان حلمي الوحيد ليس كحلم أي فتاة كالزواج أو تكوين أسرة ،
إنما حلمي أن أراه ، نعم أن أراه
، نجمي المفضل وائل الذي أعشقه حد الجنون ، فغرفتي التي لا تكاد أن تخلو من صوره ، أشرطته الغنائية ، وسيديهات حفلاته المصورة التي أحتفظ بها والتي كانت السبب في خلافي الكبير مع خطيبي ، كم أعلم أنه يحبني لكن بسبب سذاجتي و تفاهتي التي أوصلتي وإياه إلى طريق مسدود ، فسخت خاتم الخطوبة ورميته بوجهه ، ذهل بما فعلته ، أيعقل أنه من الممكن أن أخسر كل شي من أجل عشقي المزيف لشخص لا تربطني به أي صلة ، شخص لا أعرفه إلا عن طريق وسائل الإعلام ، غضب أبي وأقام الدنيا ولم يقعدها ، فقام بضربي وحبسي في المنزل ، هددت أهلي بالإنتحار إن بقيت حبيسة المنزل ساعة واحدة ، فكرت بالهروب من المنزل بعد أن شدد أبواي علي ، ومراقبتهما لكل تحركاتي، وكأنهم يعدون علي أنفاسي ، إلا أن جاء اليوم الموعود التي زارت فيه أم بدر بيتنا ، فأم بدر لها مكتب استقدام خادمات آسيويات ، وقد أتت بواحدة بدلا من خادمتنا التي سافرت ، استغربت الخادمة الجديدة عندما دخلت غرفتي بجدرانها الممتلئة بصور وائل ، سألتني: هل هذا زوجك؟
أجبتها بتعاسة: لو أنه زوجي لما رأيتني بهذه الحالة ،قالت بذهول: أجل من؟ قلت : هذا حبيبي ، ضحكت قائلة: أتعرفينه !؟! أجبت: نعم إنه فنان مشهور ، قالت: أظن أنني رأيت هذا من قبل؟ ، اصطنعت ضحكة قائلة: ألم أقل لك إنه فنان مشهور، ويظهر في التلفاز، قالت بلهجة واثقة: لا ،أنا رأيته في قصره الذي تشتغل فيه أختي ، شهقت وكادت روحي أن تخرج : وائل !!! أين ...أين يسكن؟ وهل هو هنا في مدينتنا؟
ردت علي بهدوء: إهدئي.. إهدئي.. إنه يسكن في المنطقة التي تبعد عن منطقتكم هذه ساعتان زمان ، قفزت فرحا وكأنني ملكت العالم بأكمله ...
لم تغفو عيناي ، بل بقيت طوال الليل أفكر كيف أن أراه ، كيف سأعبر عن حبي له ، وأخيرا
سيتحقق حلمي وأراه ، فجأة تردد إلى مسمعي صوت أبي وهو يهدد : لولا مخافتي من الله لحرمتها أنفاسها ، استعذت بالله
وأنا أطرد ذكرى أبي المخيفة ، فكيف أن أراك يا وائل؟
سأتحدى العالم لأراك ، بل أنا على استعداد تام بالمخاطرة بحياتي من أجل أن أراك ولو لثانية ، طالت ليلتي هذه فليست
كما الليالي السابقة ، الساعات تمر كأنها سنين ، ولو كان بمقدوري أن أقدم الساعات إلى الأمام لم أتوان ، حاولت جاهدة أن أغمض عيني ، أن أبقيها لثوان مغمضة ، فلم أقدر ، وأخيرا لاح الصباح بعد ترقب طويل وأنا كلي شوق لألتقي بالخادمة أتوسل إليها بأن تساعدني لأرى وائل ، الذي حرمني نومة ليلة البارحة ، لاحظ كل من في البيت التغير الذي طرأ علي فقد بدوت في أحسن حالاتي ، عكس الأيام السابقة ،اقتربت مني أختي قائلة: سبحان مغير الأحوال ، من يصدق أنك القنبلة التي أهبت على الإنفجار منذ يومين ، لم أعرها أي اهتمام ، ولأن كل تركيزي منصب على الفكرة الجهنمية التي أطبخها ، ولكن...
عمتي ... عمتي نجاة هي التي ستساعدني لقد وجدتها ، استأذنت أمي أن أذهب إلى عمتي ، فقالت صارمة: لا ، فلا خروج من بعد فعلتك هذه ، طلبتها : أمي أرجوك ألن يكفيك إنني تغيبت عن المدرسة يومان ، فأنا ذاهبة إلى عمتي ولست ذاهبة للتنزه مع صديقاتي ، وبعد إلحاحي الشديد وافقت أن أذهب بشرط أن تذهب معي الخادمة وهذا ما أريده ، أجريت مكالمة هاتفية مع عمتي أخبرتها بأنني أرغب في إقامتي عندها يومان ، إن وافق أبي على طلبي
رحبت بي عمتي في بيتها ، بعد ساعة من وصولي إلى بيتها ، استأذنتها بأن أذهب إلى المستشفى لأن صديقتي ترقد في العناية المركزة ، لقد كانت حيلة مني لكي أنفذ خطتي ، تنكرت بزي خادمة ولبست عباءتي ، أخذت الخادمة معي كي تدلني على منزل وائل ،
آه يا وائل ... لم يبعدني عنك سوى ساعتان ، والتي لا أعرف كيف أن أتحملها ، طال الطريق ، ولهفتي الشديدة في ازدياد ، هل أنا في حلم أم ماذا ، ولأنني
لم أنم داهمني نعاس خفيف لكني تغلبت عليه ، فلن أسمح له بمداعبة عيناي قبل أن أرى وائل
، وقفت سيارة السائق أمام هذا القصر الكبير ، نزلت من السيارة ، فتحت فاهي وأنا مشدوهة ، دخلت مع أحد أبوابه الخلفية ، فسخت عباءتي وعند دخولي إلى ذلك القصر الكبير ، سمعت صوت ضحكات متتالية جمدت في مكاني ، فرائحة الدخان المنبعث في أرجاء القصر كتم على أنفاسي ، سعلت فسالت دموعي ، خالجني شعور بالضيق ، وكأنما شيء جثم على صدري ، أخذت عباءتي لأنني هممت بالخروج ، وعند إمساكي مقبض الباب فإذ بوائل يدخل ،فلم تصدق عيناي ما رأته ، سألني بكبرياء : من أنت ؟ أجبته بتلعثم : أأ أنا الخادمة الجديدة ، ضحك ثم إلتفت إلى صديقه قائلا : ألم أقل لك أن بدل الخادمة عشر خادمات ، أمرني بالدخول فلم أعلم كيف استجبت له ، لا أعرف ما هو شعوري بالضبط خائفة ولكنني في نفس الوقت فرحة دخلت المطبخ ورميت نفسي في إحدى كراسيه من الخوف الذي كاد ينهك عظامي ، اتصلت بالخادمة وأمرتها بالذهاب إلى بيت عمتي ، وأخبرتها بأن تقول لها أنني لم أستطع المجيء ، فحالة صديقتي تستدعي أن أكون بجانبها ، علمت فيما بعد أن نجمي المهووسة به وللأسف يقيم الليالي الحمراء في قصره ،وبينما كنت أنظف أرضية المطبخ ، فإذا بأحدهم يشدني من شعري ويوقعني أرضا ، رفعت عيناي لأرى وائل ، يا إلهي إنه في حالة غير طبيعية ، صرخت لأجد نفسي في مركز الشرطة ، فخطيبة وائل من أبلغ الشرطة بعد اكتشافها حقيقة وائل .
لقد جلبت العار لأهلي فسذاجتي وغبائي هما من أودعاني السجن ، حكم علي بالسجن والجلد ، وقد أصيبت أمي بانهيار ، وأرسلت إلى أختاي ورقتا طلاقهما من زوجيهما ، وأما أبي لقد فقد عقله وأصيب بالجنون .
لقد حطمت حياتي ، ليس حياتي فقط ، بل حياة أهلي اللذين لا ذنب لهم واللذين لطالما نصحوني بأن أبتعد عن تفاهات المراهقين هذه ، لكن وللإسف فلن يجدي الندم شيئ