الثلاثاء، 24 أبريل 2012

فتيخ والسيد


لست مؤلف هذه القصة انما روى لي وقائعها رجل مسن من اهل مدينة العمارة في جنوب العراق وهي ليست من تاليفه هو نفسه انما ورثها مع ترك الروايات والقصص الموروثة من الاباء والاجداد والاعمام والخوال والتي يدعي مالكها بحيازته لها انه مثقف مع انه لا يجيد القراءة والكتابة بشكل جيد فلقد كان من قبل شاباً قرويا اتت به خدمة العلم الى بغداد لينته به الحال الى نائب عريف متقاعد من الكلية العسكرية الثانية يفترش سجادة صغيرة وسط مترين مربعة من العشب مزروعة امام واجهة داره يسميها الحديقة لانه لم يطلع على الحدائق في قصور السادة المسؤلين (قصور السيد الرئيس سابقاً) . وهذا الرجل ايضاً لايعرف استخدام (الهاتف الخلوي ) ولا (جهاز التحكم عن بعد) الخاص بالتلفاز واحياناً يختلط عليه الامر بين هذا وذاك .
ولكني لا انكر انه مثقف, لا ولربما اكثر ثقافة مني . فاذا كانت الثقافة مجموعة معلومات تجعل حياة الانسان القصيرة افضل فقد عاش هذا الانسان حياه سهلة ومريحة متنعماً بكل الملذات المشروعة ولا اضنني عشت هذا . واذا كانت الثقافة مجموعة معلومات تجعل حياة الانسان المملة اطول فقد عاش هذا الانسان اكثر من ثمانين سنة ولا اضنني اعيش لاصل ذاك .
و(فنيخ) هذا رجل من اهل العمارة مثقف ثقافته بيئته فبالرغم انه لم يسمع بجهاز (الدي في دي ) لكنه له القدرة على تمييز حركة الانسان وحركة الخنزير بين كثبان البردي والقصب في الهور وكما انه ادرك حكمة العدل الالهي من دون دراسة ولا مدرس التي اخذت مني سنين لادراكها.
ففي احد ليالي الهور الظالمة المظلمة جاء الى دار فنيخ ضيف (سيد معمم) فرحب (فنيخ) بالضيف واجلسه في ديوانيته وطلب من زوجته ان تطبخ اخر دجاحة كانت في داره وان تضعها بين يدي الضيف ,ففعلت .
قال (فنيخ ) للسيد المعمم : يا سيد هذي الدجاجة اخر ما املك وهي مشروع عشائي وبما انك ضيفي وبما اننا مثقلون بمبادئ وعادات اصبحت واجبات ملزمة بالرغم اننا لم نصوت عليها ومنها اكرام الضيف .فساشاركك العشاء .فهل تحب ان نقسم الدجاجة بقسمة الله ام بقسمة (فنيخ) ؟
والسيد المعمم هذا رجل يرتدي عمامة سوداء يدعي نسبه الى النبي محمد يستغل كغيره من السادة ضعاف العقول المولوهون بالجنة والخائفين من النار ليحصد منهم الارباح والخمس فهو و بالرغم انه لا عمل له فانه ذو مكانة ونفوذ في المجتمع ياكل ثلاث وجبات او اكثر في اليوم (طبعاً ليس من كده) وينام على اوثر الفرش ويتزوج اجمل النساء وارفعهن نسباً .وبالرغم من ذلك فانه يضرب فيه المثل في الطمع فيقولون (طمع سادة ).
ففكر السيد الخسيس ثم قال : كيف تكون قسمة (فنيخ) ؟
فاخذ (فنيخ) اليه سكيناً وقطع الدجاجة الى نصفين متساويين بالضبط وقال :هذا النصف لك ياسيد وهذا لي .
فلمعت في عين السيد نظرة من الطمع ممزوجة بالخبث وادركها (فنيخ) وقال :اذاً نقسم قسمة العدل قسمة الله املاً ان يحصل على جزء من حصة (فنيخ) فوق حصته .
فأخذ فنيخ نصفي الدجاجة وضمهما معاً وقطع جناحاً من الدجاجة والقى به امام السيد وقال:هذا لك ياسيد وباقي الدجاجة لي .
فنهض السيد كالسليم منتفضاً ثائراً يصفع جناحي عبائته المتسخة الذيل بعضهما ببعض وقال معربداً :يا كافر يازنديق هل انت اعدل من الله هل انت اكرم من الله افيعطي الله جناحاً ويعطي (فنيخ )نصف دجاجة .
فقال له فنيخ بكل هدوء :اما ترى ان الله وهب اناساً اراضٍ ومزارع وبيوت وعمائر ودواب ومن كل النعم ولم يهبني سوى هذه الدجاجة فقط وارسلك من بعد لتشاركني بها .هذه قسمة الله ,ا فتعترض على قسمة الله ياسيد ؟ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق