ومن الأحكام العجيبة التى ينقلها ابن مماتى عن قراقوش أنه سابق رجلاً بفرس له، فسبقه الرجل بفرسه، فحلف أنه لا يُعلفه ثلاثة أيام. فقال له السابق: «يا مولاى يموت». رد قراقوش: «اعلفه ولا تعلمه أننى دريت بذلك».
ومر متسول يطلب طعاماً فأجابه قراقوش: لقد مزقت نياط قلبى بشكواك ولا أجد سوى السجن مقاماً لك تأكل، حتى إذا شبعت أفرج عنك. وسأل قراقوش بائع حليب غشاش: كيف تخلط الحليب فى الماء؟ فأجاب البائع: أنا أغسله فقط. فقال قراقوش: أنت رجل تحب النظافة، ولا لوم عليك، ويوضع من أبلغ عنك فى السجن.
وحُكى أن دائنا شكا مماطلة غريمه، فقال المدين لقراقوش: «يا مولانا.. إنى رجل فقير، وإذا حصلت شيئا له، لا أجده، فإذا صـرفته جاء وطالبنى». فقال قراقوش: «احبسوا صاحب الحق، حتى إذا حصل المديون شـيئاً يجده ويدفع له». فقال صاحب الحق: «تركت أجرى على الله» ومضى. وتقول حكاية إن لصا دخل مشغل نساج ليسرق فاصطدمت عينه بالإبرة ففقدها، وشكا لقراقوش الذى ترك اللص وأمر بقلع عين النساج. والذى اقترح عين صياد بدلا من عينه لأن الصياد يستعمل عينا واحدة. ووافق قراقوش. ومثلها حكاية النجار، الذى كان يعمل فى منزل فوقع حجر كسر رجله. وشكا النجار صاحب البيت فحكم قراقوش بأن تكسر رجل صاحب البيت. ولكن الأخير ألصق الذنب بالبناء الذى اتهم بنتا كانت ترتدى ثوبا أحمر زاهيا لفتت انتباهه، وأحضرت البنت فألصقت الذنب ببائع القماش، وعندها أصدر قراقوش حكمه بشنق البائع، اتضح أنه طويل فأمر رجاله بأن يشنقوا أقصر رجل فى الطريق. ومن أحكام قراقوش أن سيدة ذهبت تشكو صاحب المنزل أنه قبَلها، فقال قراقوش: قبَليه مثل ما قبلك.
وجاءت الشرطة لقراقوش بأحد غلمانه متهما بالقتل قال قراقوش اشنقوه، فقيل له: إنه حدادك الذى ينعل لك الفرس، فنظر أمام بابه فرأى رجل قفاصات يصنع الأقفاص فقال: اشنقوا القفاص واتركوا الحداد.
قراقوش فتى رومى خصى أبيض ولد فى آسيا الوسطى خدم مع أسد الدين شيركوه عم صلاح الدين، واستمر مع صلاح الدين وساعده فى تصفية بقايا الفاطميين. وتولى أمور عكا وتم تكليفه ببناء العديد من القلاع والحصون منها قلعة صلاح الدين بالقاهرة، وبعد وفاة صلاح الدين سنة 589 هـ عمل فى خدمة ابنه الملك العزيز عثمان، ثم وصيا على ابنه الملك المنصور محمد حتى عزل وتوفى سنة 597 هجرية.
أما كتاب «الفاشوش فى حكم قراقوش» فهو من أقدم الكتب الفكهة، فى تاريخ مصر. ألفه الأسعد بن مماتى، وهو سياسى كان يتولى ديوان الجيش والمال فى عهد صلاح الدين الأيوبى. كان آباؤه من نصارى أسيوط نزحوا إلى القاهرة فى عهد الفاطميين فقربوهم وفوضوا لهم كثيرا من شئونهم، ولما قدم صلاح الدين وتولى رئاسة الوزراء فى آخر عهود الفاطميين. قبل أن يطيح بهم دخلت الأسرة الإسلام ورعاها صلاح الدين فجعل رئيسها ابن مماتى قسيما على ديوان الجيش، وخلفه ابنه الأسعد الذى اشتهر الأسعد بسرعة البديهة واللذع فى النادرة. وسخر ابن مماتى من جهل قراقوش بالدين وكتب أن شاعرا تقدم لمدحه، ولما انتهى قال له: «يا مقرئ لقد قرأت قراءة طيبة»، فلم يفرق بين الشعر والقرآن.
حكاية أخرى تقول إن اثنين من أبناء رجل ثرى استغلوا إغماء والدهما وجهزاه للدفن. وفى الطريق أفاق الرجل ونادى قراقوش ليخلصه. وعندها سأل قراقوش أقرباءه والناس فقالوا إن الرجل ميت، وعندها أمر بدفنه، وقال: لا نعرف أكثر منهم.وحكى عن قراقوش أنه كان يمتلك صقراً يعتز به طار من عنده ولما أبلغ بهذا الخبر صاح قائلاً: أقفلوا أبواب المدينة حتى لا يجد مفرا فيعود إلى.
وفى كتابه يقص ابن مماتى أن قراقوش طلب من أحد القضاة أن يهيئ له حساب القمح والشعير والفول والحمص، ووضع القاضى الحساب فى صحيفة واحدة، فاختلط الأمر على قراقوش وظن أن القاضى خلط الأصناف ببعضها، وأمر بحبسه. لكن القاضى تنبه إلى أن الأمر التبس على ذكاء قراقوش، فأرسل إليه من الحبس بحساب كل صنف فى صحيفة واحدة، عندها سر قراقوش وعفا عنه قائلا«لقد تعبت يا فقيه.. نقيت هذا من هذا وذا من ذا، زفوه فى المدينة».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق