الجمعة، 11 مايو 2012

أحمق الناس من سلم ماله لورثته قبل مماته




الكنز المفقود

بقلم محسن الصفار

عندما بلغ سعيد الأرمل سن التقاعد وكبر أبناءه وأصبح لكل منهم بيت وعائلة قرر أن يقوم بخطوة تريح باله من أعباء الدنيا و تفرغه أكثر للعبادة في ما تبقى له من أيام العمر فجمع أبنائه واخبرهم انه سيوزع كل أمواله بينهم بالتساوي حتى يكون عادلا وكي لا يتصارعوا على التركة بعد موته وبذلك يكون قد أدى الأمانة وصان الحقوق , استقبل الأبناء هذه الخطوة الحكيمة ووعدوه أن المال وان قسم بينهم فسيبقى هو صاحبه حتى آخر يوم في حياته.
وهكذا كان فقسم سعيد كل ما يملك من مال منقول و أملاك بين أبنائه الثلاثة واحتفظ لنفسه بالنزر اليسير عارفا ومتيقنا أن أولاده الذين لم يبخل عليهم يوما لن يبخلوا عليه بأي شيء مهما غلا , بعد مدة من الزمن رن جرس الباب ففتحه سعيد فتعجب لرؤية عدة أشخاص على الباب يتقدمهم أبو احمد دلال العقارات الذي بادره بالسلام قائلا:
-أهلا أستاذ سعيد كيف الحال ؟ إن شاء الله بخير ؟ هناك زبائن يريدون رؤية البيت لو سمحت
رد عليه سعيد مذهولا
رؤية البيت لأجل ماذا ؟
أجابه الدلال بابتسامة صفراء
لأجل شراءه طبعا , أبنائك عرضوا البيت للبيع عندي منذ فترة وهاهو اليوم الزبون وان شاء الله يعجبه البيت وننهي البيعة ,عن إذنك فنحن على عجلة.
دخل الدلال والزبائن البيت أمام أعين سعيد الذي بقى مشدوها مما يري ويسمع, أبناءه يبيعون البيت الذي يسكنه !! ودون علمه ؟ وأين سيسكن هو إذا ؟
اتصل بالأبناء وطلب منهم الحضور على الفور فاجتمع الأبناء ومعهم زوجاتهم في بيت سعيد مساء وابلغهم اعتراضه على هذا التصرف فرد عليه الابن الأكبر:
لا تقلق يا والدي فمكانك في الحفظ والصون عندي في بيتي تعيش معززا مكرما والبيت نبيعه لا طمعا بل لأنه أصبح بيتا قديما وهو كبير جدا وأنت لا حاجة لك به , وهذه النقود نحن أولى بها كي تعيننا على شؤون حياتنا.
وهنا انبرت زوجته قائلة:
أظن أن عمي سيكون مرتاحا أكثر في بيت أخوك الأوسط فهما يتفقان معا ويتشاركان نفس الاهتمامات
اعترضت زوجة الأخ الأوسط وقالت بصوت حاد
لا يا عزيزتي إنا بيتي صغير و لا يكاد يكفيني إنا وعائلتي وليس لدينا مكان لشخص إضافي أرى إن الأخ الأصغر هو انسب واحد لهذا الشيء فبيته كبير وليس لديه أولاد
انبرت زوجة الأخ الأصغر كمن إصابتها الصاعقة
ماذا ؟ إنا عروس شابة وفي أول حياتي وانتن تردن تحويل بيتي إلى دار عجزة ؟ انتن تحصلن على المال وتلقين يعبئ العجوز على ظهري , أبدا والله لا يكون هذا ألا على جثتي
استمرت النسوة بالشجار وانتظر سعيد ان يتدخل أبناءه لحفظ كرامته التي داستها الزوجات بالأحذية ولكنه رآهم خانعين لا ينبسون ببنت شفة لا بل أنهم اقرب للموافق منهم للمعارض وكل منهم يتمنى أن تفوز زوجته في النقاش كي يتخلص من عبئ رعاية الوالد
أدرك سعيد لحظتها انه قد ارتكب اكبر خطا في حياته بتوزيع أمواله بين الأبناء وهو قيد الحياة وان أبناءه وزوجاتهم يحضرون له أيام سوداء مليئة بالذل والهوان والتنقل من مكان إلى آخر وليس بعيدا أن يرموه في دار للعجزة , انصرف الجميع وبقي سعيد يفكر طوال الليل فيما يجب أن يفعله كي يسترد ماله وكرامته وأخيرا تفتق ذهنه عن فكرة فاتصل بالأبناء وقال لهم انه يريد أن يراهم مجتمعين مرة أخرى في بيته وبعد تململ وقبول وإيجاب جاء الجميع فرحب بهم سعيد قائلا :









أحبائي وأعزائي هناك أمر هام جدا يجب أن اذكره عن الأموال وانأ لا أرضى أن أفارق الحياة دون أتمام مهمتي وأداء أمانتي .
ابتسم الابن الأكبر بسخرية وقال:
أي أموال يا أبي فأنت ليس لديك سوى بيتك ومدخراتك في البنك وقد قسمتها بيننا-
قال سعيد:
لا يا ولدي هناك الكثير فأمكم المرحومة قد ورثت عن أمها التي ورثت عن جدتها كمية كبيرة من المصوغات الذهبية وقد أضافت عليها ما اشترته طوال حياتها ولان هذه المصوغات في جلها أثرية وعمرها مئات السنين فهي لا تقدر بثمن
فجأة أصبح لكل من الأبناء وزوجاتهم أربع أعين وآذان واخذ يستمع لما يقوله سعيد الذي أكمل وقال:
وهذه سأتركها فقط للابن الذي يرعاني هو وزوجته أفضل من الباقين وسأخبره بمكانها قبل موتي, رحم الله أمكم ها قد أديت أمانتي تجاهها .وألان يمكنكم الانصراف فلديكم من شؤونكم الخاصة ما يكفيكم و يغنيكم عن عجوز مثلي .
هجم الجميع عليه وهم يتصارعون على استضافته في بيتهم والنسوة يتعاركن مع بعضهن وكل واحدة تعدد مزايا بيتها له وكيف انه سيكون مرتاحا أكثر عندها, وانفضت المعركة عن أن يبقى الأب في بيته معززا مكرما ويأتي كل من الأبناء هو وعائلته كي يعيش عنده شهرا بالتناوب .
عاش سعيد أحلى أيامه في رعاية ودلال والكل يتمنى أن يحصل على رضاه كي يكون صاحب الحظ السعيد في الكنز الثمين وأخيرا حلت أيام سعيد الأخيرة فجمع الأبناء مرة أخيرة وقال لهم
يا أبنائي لقد قمتم بواجبكم معي على أكمل وجه وها إنا أموت مرتاحا وساترك لكمالكنز انتم الثلاثة مجتمعين ومكانه في صندوق خبأته في احد جدران البيت ولكني ولكبر سني قد نسيت في أي جدار وضعته .
قال هذا واسلم الروح . ما كاد تشييع الجنازة ينتهي حتى هجم الأبناء على البيت تحطيما وتكسيرا لكل الحوائط والأسقف حتى أصبح البيت خرابه لا تساوي شيئا و أخيرا عثر احدهم على الصندوق فتحه بكل لهفة هو وإخوانه فوجد فيه رسالة كتب فيها:
أحمق الناس من سلم ماله لورثته قبل مماته فيصبح عبدا لهم وقد وضعت لكم الصندوق في جدران البيت عارفا إنكم ستخربون البيت كله كي تحصلوا عليه و ها قد خرجتم بلا كنز ولا بيت !!!
مستوحاة من التراث الشعبي 

ليست هناك تعليقات: