الاثنين، 28 مايو 2012

من حكايات ابي دلامة


*****
أريد كلباً:  

دخل مرّة على أبي العباس السفّاح في أول حكمه، وكان غارقاً في متابعة أمور دولته الفتيّة، فأراد الخليفة أن يصرفه، لانشغاله بأمورٍ أكبر من اللهو، وأهمَّ من العبث، فقال له:
- سلْني حاجتك.
فتململ (أبو دلامة) قليلاً، وكأن الأمر ليس سهلاً، فصاح به الخليفة ـ والقوّاد ينظرون إلى أبي دلامة بقسوة:
-قل حاجتك.
فتنحنح أبو دلامة وقال:
-أريد كلباً لأصطاد به.
صاح الخليفة:
-ألهذا جئتني في هذه الساعة؟.
وصاح الخليفة في الغلام الذي يقف وراءه وكأنه يريد أن ينهي المقابلة بسرعة:
- أعطوه كلباً.
ولكنّ (أبا دلامة) لم يغادر المكان، بل تقدَّم خطوةً أخرى من الخليفة وقال:
- وهل أخرج في البيداء الواسعة، فأطارد صيدي على قدميَّ هاتين؟!.
فصرخ الخليفة:
ـ  أعطوه فرساً يركبها.
قال أبو دلامة:
- ومن يعتني بهذه الفرس، ويمسك لي الصيد، ويحمله معي؟.
قال الخليفة:
- أعطوه غلاماً يساعده في صيده.
قال أبو دلامة:
- وحين أعود إلى البيت محمّلاً بصيدي، فمن ينظّفه ويطبخه لي؟.
قال الخليفة:
- أعطوه جارية تُعينه في البيت.
سأل أبو دلامة:
- وهل سأترك هذين البائسين يبيتان في العراء؟!.
قال الخليفة:
-  أعطوه داراً تجمعهم.
سأل أبو دلامة:
- وكيف سيعيشون بعد ذلك إن لازمني النكد وسوء الطالع، ولم أوفَّق بالصيد شهراً أو شهرين؟.
قال الخليفة:
- أعطوه مئة جريب عامرة ومئة جريب غامرة.
سأل أبو دلامة:
- وما هي الغامرة يا أمير المؤمنين؟.
أجاب الخليفة:
- الأرض المالحة التي لا نبت فيها.
في هذه اللحظة هزَّ (أبو دلامة) يده ساخراً وقال:
- إذن أنا أعطيك مئة ألف جريب غامرة، في صحراء العرب.
فصاح الخليفة بمن في المجلس، وهو يضحك، وقد خرج عن جدِّه وصرامته:
- اجعلوها كلَّها عامرة، قبل أن يطلب هذا الكرسيَّ الذي أجلس عليه. 

ليست هناك تعليقات: