وانتهى اليوم السعيد الذي كان بداية حياة جديدة بالنسبة لخلود
وفي نهاية هذا اليوم وعندما أوى الجميع للفراش
فأبى النوم أن يداعب ويسكن جفونها
فسكنها الأرق والسهر واستوطنها الخوف من المجهول
تحسست بأناملها هذه الورقة الصغيرة
والأر قام مطبوعة على شفاهها ، وتقول في نفسها :
هل أجرؤ على ذلك ؟
هل أجرؤ على الاتصال به ؟
تُرى ماذا سيقول ويعلق على تصرفها ؟
وماذا سيقول زوج أختها و أختها إن عرفا بذلك ؟
ولكن إلى متى ستقول ذلك ؟
وإلى متى يسكنها الخوف في اتخاذ القرار في ذلك ؟
أليست هذه حياتها ؟
ألا يحق لها أن تعيشها كما يسوقها لها القدر ؟في اليوم التالي قررت الاتصال به فرفعت سماعة الهاتف
وطلبت أول رقم بيد مرتجفة ، وهي تسمع دقات قلبها
كأنها رنين متواصل يصم الآذان
فأعادت السماعة إلى مكانها وهي تقول لنفسها
يجب أن أفكر جيداً
ومر اليوم وهي تنعت نفسها بالجُبن
وعدم الجرؤة في اتخاذ القرار
و مر يومٌ آخر وهي تتلوى كالطير الجريح
ولم تعرف للطعام مذاقاً
وكان شرودها سبب في قلق وزيادة هم والديها
وحسبا أنها تعاني من آلام ناتجة عن مرض ما تعانيه
وليتهما يعرفان سبب شحوب وجهها
وهجر الابتسامة لشفاهها
فمرت ثلاثة أيام بطيئة جداً كأنها سلحفاة تمشيعلى مهل
وكأن الزمن توقف عن المسير
وفي اليوم الرابع لم تعد تحتمل
فقد ذبلت وارتسم اليأس على وجهها
و خط الأرق السواد تحت عينيها
حتى أنها حبست نفسها في غرفتها
ووصل الخبر لأختها فجاءتها على عجل
لتطمئن عليها ولتسأل عن حالها
فأخبرتها والدتها أنها منذ أن جاءت من عندها
في ذاك اليوم وهي على تلك الحال
فدخلت أختها عليها غرفتها ونظرت إليها
وأطالت النظر في وجهها .. كأنها تفكر في شيئ ٍ ما
فعرفت ما يجتاح أختها و يؤلمها لأنها أختها
وتستطيع فهم مشاعرها .. أو أنها تعرف الحب
وتعرف ما يعتري المحب من هذه المشاعر
ولكنها آثرت السكوت ولم تتحدث عن شيئ
وكان ذلك أشد وقعاً على خلود
فلو أنها قالت ما تشعر به أختها و صارحتها
لوفرت عليها الكثير ولكن بالتأكيد
الحرج هو ما منع أختها من الحديث
ولو تحدثت معها فماذا ستقول لها ؟!
تراجعي عن هذا الهراء الذي يهذي به ِ عقلك وقلبك
أتقول لها أن الذي تُفكر به هو الجنون بعينه ؟
لقدعرفت أختها النار التي تتأجج بداخل أختها
ولكن لن تصارحها ، لأنها قد تكون مخطئة
وبذلك تفتح أبواباً .. الله أعلم ما الذي سيغلقها
ومرة أخرى عمدت أختها إلى دعوة سمير
و أصرت أن تكون أختها موجودة
وفعلاً كانت شكوكها في محلها
لقد شاهدت اللهفة في عينيها
فأحست وشعرت بالشوق بينهما فكان الحب
ولكن الذي طمأن قلبها أن هذا الحب
كان من الطرفين وأن أختها لا تتوهم الحب .
أخذت تُفكر أخت خلود كيف ستحل هذه المشكلة
التي ستُدمر قلب خلود .. فهي قد عرفت الحب
ولم تذق مذاقاً أطيب منه .. و تذوقت السعادة
مع مَن أحبَّ قلبها وهو زوجها علاء
ولكن في حالة خلود ربما الأمر يختلف وبحسب ظنها
ومن واقع تجربتها لا يوجد ما تفعله أوتقوم به
فالأفضل أن تترك الامور على حالها
ليحكم الله في أمرها
و آثرت أن تتمتع أختها بالسعادة
حتى وإن كانت هذه السعادة مؤقتة
لتعش خلود أيامها القادمة في أمل وسعادة
عسى أن يُخفف عنها الحب ذلك اليأس
الذي طغى على الجميع ..............
يتبع
لنعود إلى خلود.........
وبعدما عادت إلى البيت أخذت تسترجع شريط
ما جرى اليوم من أحداث و بالأخص الحديث
بينها وبين سمير ، فكان الحديث ً ممتعاً وبدا
وكأنه أسهل من المرة السابقة ووجدت الجرأة
في النقاش معه ومع أختها وزوجها في
المواضيع التي كانت محور النقاش ، ولكنهُ مرة
أخرى كتب لها الأرقام التي حفظتها
عن ظهر قلب ، وفي اليوم التالي حزمت
أمرها و أخذت قرارها فرفعت سماعة الهاتف
وطلبت الأرقام وبمجرد الانتهاء سمعت صوته و
كأنهُ ينتظرها فتلعثمت وهربت الكلمات وعجزت
الشفاه عن نطقها وازدادت ضربات وخفقات
قلبها الفارغ الذي ينتظر حباً يسكن أرجائه
فعجزت أن تنبس ولو بحرفٍٍ واحدٍ ، وقلبها
يخفق بشدة حتى كاد أن يتوقف عن
ضخ الدم في أرجاء جسمها المرتعش ، فعم
الصمتُ المكانَ ، ومرت دقائق حتى
تمالكت أعصابها وتولدت العزيمة والإصرار في
روحها وأخيرا قررت رد التحية فقالت : ( صباح
الخير )فأحست خلود من أنفاسه عبر سماعة
الهاتف أنه كان ينتظرها وبلهفة لا حدود لها
فتولد ت لديها فرحة عارمة مما جعلها تطير فرحاً ،
فتبادلا الحديث ، فأخبرها قائلا : أنني أعرف
أنكِ سوف تتصلين وانتظرت اتصالك على
أحر من الجمر ، وها قد تحقق حدسي
وسمعت صوتكِ الجميل ، وسأل عن أحوالها و
دراستها وطال وطال بينهما الحديث حتى أنها
نسيت أنها تعيش وسط عائلة يمكن أن
يتساءل أفرادها ما هذا الحديث المُطوَّ ل على
الهاتف ، فقررت انهاء المكالمة بطريقة لبقة
فاستأذنته لتنجز واجباتها الدراسية ، وحاول سمير
أن يستغل الوقت قائلاً سأنتظر تواصلك على
أحر من الجمر ولو كان ممكنناً لاتصلتُ أنا بك
فردت خلود قائلة : أنا سأتصل بك ، و تواصلت
بينهما الاتصالات حتى باتت مثل الماء و الهواء لا
تستطيع أن يمر يوم دون أن تسمع صوته
، فهو الذي يمدها بالسعادة ، وخاصة بعدما
اعترف لها بحبه ومدى لهفته في أن
يتقدم لخطبتها ، ولكنه أولاً يريد أن يحصل
على موافقتها ، وعندما سمعته يقول ذلك
فضَّلت الصمت ، و كأن سكيناً غُرس في
قلبها ، ما هذا المأزق الذي وضعت نفسها فيه ؟
ما سيكون ردها الآن ؟ ماذا ستقول له ؟
كيف ستُفهمه ما يدور بداخلها هل ترفض ؟!
سيظن أنها فتاة لَعوب تريد أن تمضي
وقتها بالتسلية في مشاعر الآخرين ، و إذا
قبلت فكيف ستواجه الحقيقة المُرّة التي ستهدم
أحلى لحظات سعادتها وتُغيّر طعم الحب إلى
شقاء وعذاب ، فكان الصمتُ سيد الموقف ولم
تُجبه ، فظن أنه الخجل ، وآثر أن يؤجل
الحديث في الموضوع حتى لا يجرح حياءها
أو يخدش أنوثتها ، فانتقل إلى موضوع آخر ،
وشكرته بصمت من أعماق قلبها ، وهكذا
مضت الأيام ، وهي تعرف انه لابد من
أن يأتي يوم من الأيام وستواجه الواقع
سواء آجلا أم عاجلاً .
وفي يوم من الأيام وهو يتحدث معها على
الهاتف فاجأها بطلبه أنه يريد رؤيتها فقالت له أنها لا
تستطيع أن تجلس معه في أي مكان
لوحدهما لأن دينها وأخلاقها وعادات أهلها لا
تسمح لها بذلك علاوةً على الإحراج التي قد
تسببه لها هذه المقابلة ، فألحَّ عليها و اقترح عليها
أن تقابله في المكتب الهندسي الذي
يعمل فيه ، وسارع ليطمئنتها أنه ليس وحده في
المكتب بل يوجد موظفين وموظفات حتى لا
تسيئ الظن أو الفهم ، فقدرت موقفه فلم
تستطع الرفض ، فهي مشتاقة له أيضاً وكانت
لهفتها إلى رؤيته أكبر من أن ترفض ،
وأخيرا تسارعت عقارب الساعة و التقت به وما
أن رآها فكانت كفراشة بيضاء تتهادى
في مشيتها وحركاتها الرقيقة حتى وقف
فرحاً ، وبسرعة ترجمت لها عيناها معالم الفرحة
التي ارتسمت على محياه ، فانتابها شعور
الندم لعدم مصارحته منذ البداية ، و ما ذنبه
أن يُصدم بالحقيقة التي لا تعرف ماذا
سيكون وقعها على نفسه ، فجلب لها
كرسياً مقابلاً لمكتبه وجلس وراء المكتب ومرت
ساعة و تلتها ساعة أخرى وهم يتحدثان
حيث تحدثا عن كل شيئٍ ولم يتطرقا للحياة
الشخصية ، و كأنه يعرف أن هذا الحديث سوف
يُفسد عليها فرحتها بلقائه ، وكم كان كريماً معها
بمشاعره الرقيقة وأدبه في الحديث ، فكان
مهذبا ، وأخيراً انتهى اللقاء بفرحة عارمة
انغرست في نفسها ولا سيما بعدما تعرفت
على زميلاته في العمل .
يُتبع ..........
عندما وصلت خلود إلى البيت كان وجهها
يشع بالفرح وبريق عينيها له سحر خاص و عندما
سألتها والدتها عن السبب احمر وجهها فقالت لها
أنها اليوم قابلت صديق عزيزة جداً على قلبها
ودخلت إلى غرفتها وهي تشعر أنها بحاجة
فعلاً إلى صديقة تصارحها عما يجول في
خاطرها ولكن ....!!
أين تلك الصديقة
فهي لا تستطيع أن تتحدث إلى امها
فهي تعرف ماذا ستكون ردة فعلها فهي
لا تُريد شخصاً يتحدث معها من منظلق الشفقة
و يُشعرها بأنها لا تصلح لشئ في هذه الدنيا و
أن ليس لها الحق في اتمام سعادة الحب
آآآه لقد نسيت أن تتصل بسمير لتطمئنه انها
وصلت البيت هكذا كان طلبها يا لها من
سعادة وهي تشعر بأن هناك من يهتم
بها دون أن تشعر أنه يُشفق عليها يا
إلهي كم تحبه و تعشقه .
توالت الأيام و السعادة لا تريد مفارقتها ولا شئ
يُعكر صفو الجو المحيط بها المليئ بالحب ومرة
أخرى كانوا يتصلون ببعضهما كل يوم أكثر
من مرة ومرة أخرى استعدوا للقاء أيضاً
في نفس المكان ولكن هذه المرة كان
اللقاء مختلفاً كان مليئاً بالشوق والحب كانوا
كمن انتظر مئات السنين ليلتقوا بعد فراق
طويل فقد أمضوا وقتاً طويلا تبادلو الحديث و طلبوا
الطعام من المطعم المجاور وكان الفرح يغمرها
ولا سيما أنها كونت صداقات مع موظفات المكتب
الهندسي وشعرت كأنها واحدة منهم وفجأة
وبينما هم يتبادلون الحديث دخلت إلى
المكتب فتاة جميلة جداً ورقيقة جداً فصافحت سمير
بحرارة وهو أيضاً استقبلها بحرارة وصافحها بحرارة
أكثر و الابتسامة ترتسم على وجهه و شعرت
خلود بالغيرة الشديدة تجتاحها وكرهت الفتاة
دون حتى أن يدور بذهنا من
تكون حتى قبل أن تتحدث إليها
وتبددت سعادة خلود بنار الغيرة التي أخذت
تتأجج داخلها وهي ترى سمير يضحك مع
هذه الفتاة وعرفهما على بعض وعرفت أنها ابنة
عمه ولكن الشك والغيرة لم يفارقا عقلها و
أفكارها و عندما ذهبت الفتاة لاحظ سمير على
وجهها عدم السرور فسالها لو كانت تشعر بشئ
أو ارهاق فلم تجبه ولكنه شاهدها تنظر إلى
حيث 1هبت ابنة عمه فساوره الشك في أنها قد
تكون شعرت بالغيرة ففرح كثيراً و أكد لها أنها
مثل أخته وهي مخطوبة لزميله ابن عمه
أيضاً وهي تلبس خاتم الخطوبة بيدها اليمنى
ولقد أتت لرؤيته وكم كانت السعادة حينئذِ كبيرة فلقد
انزاح همٌ كبيرٌ عن كاهلها ..... و كانها لا يجد
ربها أن تكون سعيدة و كأن السعادة لم
تُخلق لها فقد اشتد عليها المرض ودارت بها الأرض
ولم تعد ترى ما حولها وفقدت وعيها ....
يُتبع ......
وبعد وقت لم تعرف كم مر منه استيقظت فوجدت
الجميع حولها وخاصة ابنة عم سمير ورأت ملامح الخوف
على وجهها وشعرت بالاحراج والخجل من
نفسها لانها أساءت الظن بها فسألوها عما ألمّ بها و
أنهم سينقلونها إلى المستشفى ولكنها رفضت
وقالت أنها ستتحسن وعرضت ابنة عم سمير
أن توصلها إلى البيت فوافقت وما أن
وصلت إلى البيت و رأتها أُمها فجُزعت ورُسم
الخوف على وجهها واتصلت بأبيها فسرعان ما
كان في البيت بصحبة الطبيب وعندما شاهدت
نفسها في المرآة فُجعت لرؤية وجهها فقد كان
شاحباً يشبه الأموات وبكت بشدة حتى تقطع قلب
والديها من الألم و الحُرقة وبكوا أيضاً ولكن يا
ليت البُكاء يُجدي نفعاً وبعد وقت مضى كعمر
مديد اتصلت اختها فتوسلت خلود أمها لكي لا
تقول لها شيئاً وكان خوفها أن تفلت من
أختها كلمة أمام زوجها وبالتالي قد يتفوه بما حدث
أمام سمير .
لقد تبددت سعادة خلود خمسة أيام وهي طريحة
الفراش فالطبيب لم يطلب نقلها للمستشفى و
كأن وجهه يتحدث عن لسانه و كان نظراته
تُعبّر عما بداخله ويقول لماذا المستشفى طالما لا
يوجد ما يفعلونه من أجلها ؟؟إن ذلك لن
يُجدي نفعاً.
لم تدعو خلود ربها أن يُطيل عمرها يوماً ما
فلم يخطر ببالها إلا أنها عندما ينتهي عمرها
فتموت سواء أرادت ذلك أم لم تُرد ولكنها الآن
دعت الله من قلبِ مجروح من قلبِ ينزف
من الألم أن يمد عمرها ويشفيها ولكن ليس
لأجلها بل من أجل الإنسان الذي أحبته
الذي تتمنى أن تعيش معه سنوات من
السعادة ولكن هذه إرادة الله وهي لن
تُغيّر إرادته .
مرت الأيام وبدأت تستعيد خلود نشاطها رويداً رويداً
وعادت الحيوية إلى صوتها بعد ما كان اليأس
يُغلفه لقد اشتاقت إلى حبيبها سمير لقد اشتاقت
إليه كثيراً فأخذت الهاتف واتصلت به وكان شديد
القلق عليها و أيضاً كان غاضباً جداً لانه لا يستطيع
رؤيتها فأصر على أن يحضر هو وعائلته
لكي يخطبها من والدها ولكنها
رفضت وقالت له مهلاً عندما أراك سنتحدث وهكذا
تحدد لقاء جديد ولكن هذه المرة بصحبة ابنة عمه
وعندما رآها سمير كانت حالته أشبه بالجنون
من خوفه عليها فهي الحبيبة الغالية التي لم
يستطع الاطمئنان عليها وهي على فراش
المرض وتمنى لو أنه يستطيع أخذها بين ذراعيه
ويُقبّل رأسها ولكن لا يتجرأ على فعل ذلك
ولكن ذلك لم يُخفي الشوق في صوته و
عندما جلسوا بادر حديثه بعرضه الزواج عليها ولكنها
قالت له : لنؤجل هذا الحديث وبالطبع كان حجتها
الدراسة و أن والديها لن يوافقوا على
الزواج إلا بعد انهاء دراستها و حاول أن يُقنع نفسه
بحديثها ذلك ولكنها هي نفسها لم تقتنع بما قالته و
بالحديث الذي تفوهت به
المهم انها عندما ذهبت إلى البيت و جلست في
فراشها أخذت تُفكر وتقول ما هذه الحماقة التي
ارتكبتها كيف سمحت لنفسها أن تنجرف وراء
عواطفها إلى هذا الحد كيف تجرؤ على تحطيم
قلب من أحبها و أحبته لماذا أفسحت المجال لهذه
العلاقة بالنمو فيا هل ترى ماذا تفعل أترضى
الألم و العذاب و الحزن لأعز من يُحب قلبها ؟ما
هو العمل وكيف لها أن تُخلصه من هذا الحب
الذي امتدت جذوره إلى ما لا نهاية ؟ . يجب
أن تتخذ قرارها يجب أن تُسيطر على
عواطفها يجب أن تُنقذ من تحب من
عذاب سنين و ما هو العمل ؟ ما هو الحل ؟
فوجدت أن الحل أن تبتعد ويجب أن
ينسى انه عرفها يا إلهي كيف تنطقين بهذه
الكلمة هذا هو الحديث الذي دار بينهما عندما
صارحته أنها لا تستطيع الاستمرار بهذه العلاقة
قالهاعلى الهاتف بصوت مخنوق به غصة البكاء
نعم قالت له ذلك فقد قالت له لا أريدك أن تتحدث
معي فقد وجدت نفس تسرعت كثيراً ولا أريد
الاستمرار أكثر من ذلك واعتبرها غلطة واعتذر لو
كنت قد سببت لك يوماً من الأيام الضيق
ووووو.....ولم تُكمل حديثها لأن السماعة
كانت قد أُغلقت في الطرف الآخر ولك يكن
هناك صوت لسمير وما ان أسقطت السماعة
من يدها حتى أجهشت بالبكاء و النحيب ما
الذي ارتكبته يا إلهي ما هذا الحديث الذي
تفوهت به لم يعُد يُسمع فقد أُغمى عليها ولم تشعر
بما حولها ............
يُتبع
لم تعرف ما الذي دار حولها ؟؟
فقد أفاقت وعيون من حولها ينهشها الألم ،والكل يتساءل ما الذي يجري ؟؟؟؟
وشعرتْ فعلاً أنها بحاجة للحديث مع أحدهم ، بحاجة للحديث مع شخص
لا يُشفق عليها ولا يعاملها كحالة خاصة ،كتمت ما بداخلها بالصمت
والاعتذار لمن حولها بحجة أنها تريد أن تنام .
توالت الأيام والليالي كئيبة باردة باردة , موحشة , قاسية
في ثناياها الألم و العذاب وحُرقة الفراق .
توالت الأيام بعد المكالمة الأخيرة بين خلود وسمير كأنها عشرات السنين
وهكذا أصبحت حياة كلاً من سمير وخلود ...
لأول مرة في ظني اكتب اسم سمير قبل خلود وذلك
من الممكن لاحساسي بما يُعانيه ،
و لشعوري بأنه عانى من أمر ليس له ذنب به
ولاعتقادي بأنه ظُلم في هذه القصة ولعلي أستطيع
معرفة ماهية شعوره في هذه اللحظات التي عاشها.
ولنتابع حديثنا أي قصتنا ففي إحدى الأيام اتصل بها زوج أختها
وقال لها أن أختها تريدها لأنها مريضة جداً و لمساعدتها ببعض الأمور،
وعلى الفور لبت النداء لأنها لا تستطيع التأخر عنها عندما تكون بحاجتها
ولا سيما أنها مريضة ،ذهبت إليها وكلها خوف على أختهاوعندما وصلت
أختها كانت الصحة تشع منها وتزاحمت في عقلها الأفكار التي سريعاً
ما هزت برأسها طاردة إياها من تفكيرها ، ولكن إنه الحب الذي يُلهمها الشعور
و الإحساس بما قد يكون فلقد كان زوج أختها هو من يريد الحديث إليها ، وبالطبع
عرفت لماذا يُريد الحديث معها ، وبدأ بالحديث ففهمت منه أن سمير
حدثّه بكل شيئ ، وتوسل إليه أن يكون رسول سلام بينهم .
يالسخرية القدر ماذا سيقول عنها زوج أختها ؟
و أختها وكل من سيعرف .. يا لهذا الموقف كيف ستواجه النظرات
التي ستُوجه إليها من قِبل من حولها ؟؟
ما هو العمل فلقد كانت بداية حديث زوج أختها أن .........؟؟
أنني أعرف كل شيئ ، هذا هو ما تفوه به فاحمر وجهها حتى كاد الدم
يتدفق منها، يا لهذا الموقف الذي لا تعرف طريقة للخلاص منه ، ولكن
الشيئ المُحتم عليها هو مواجهة هذا الأمر برمته
كالمثل القائل " اقطع عرق و سيّح دم " فهذا أمر كان لابد منه سواء آجلاً أم عاجلاً
لا داعي لإطالة الحديث عن المشاعر وعن صعوبة الموقف ، فكل قارئ لديه خيال
وله القدرة على أن يتصور ما هو الشعور في هذا الموقف ....
لقد خرج صوت خلود قائلةً لزوج أختها ماذا عرفت ؟؟
وبالطبع كان هذا السؤال بمثابة هروب من الحرج الذي أصابها ، ولكن
زوج أختها لم يكن يريد أن يُطيل الحديث باللف و الدوران و أراد أن يعفيها
من الخجل و الإحراج فقال لها :أنا لم أشأ أن أجعل أختك تحدثك بالأمر
لقد حدثني سمير القصة كاملة و طلب مني أن أعرف منكِ سبب التغيير المفاجئ
الذي جعلكِ تُغيّرين رأيك في علاقتكما .
لن أسألك كيف و لماذا لم تقولي لنا ؟؟
ولن أغضب من صديقي لأنني مررت
بتجربة مماثلة ،ولكن كان الصدق
يتوّج علاقتي بأختك،وعدم إخفاء
الحقائق أو بناء أمل واهم،و الآن أنتِ تعرفين ما الذي يُريده سمير وما نريده
نحن هو كلام واضح وصريح غير مُغلف بالزيف و الخداع .
سأتركك الآن لتُفكرين و سآخذ الرد من أُختك.
تركها وذهب فللحظات كادت أن تلفظ أنفاسها
من قوة خفقان قلبها ، فلقد كان حديث
زوج أختها قاسياً جداً و مؤلماً ،كان بمثابة نصيحة واتهام ، كانت كلمات قصيرة
مقتضبة ولكنها مليئة باللوم،شعرت للحظة
بالإهانة عندما وصفها بعدم الصدق
وعندما سألها ما الذي تُريديه أنتِ بالضبط ؟
يا إلهي ماذا ستكون إجابتها ماذا سيكون ردها على حديثه ؟؟
هل سيتفهم هو أو غيره شعورها ؟أو لماذا ابتعدت عن سمير ؟؟
يُتبع
أيُعقل أن يكون اللوم عليها فقط ؟؟
أيعقل أن تكون هي المسؤولية أم الحياة هي التي حرمتها من أبسط شيء وهو الحب و الأسرة ؟؟ .
قطعت أختها حبل أفكارها وربتت على كتفها ، وسقطت دمعتان من عينيها فارتمت في حضن أختها مجهشة في البكاء ، فرفعت رأسها لتنظر إلى أختها فوجدت الدموع تتساقط من عينيها هي الأخرى بصمت ، ما زال رأسها مسنداً على صدر أختها فقالت لها : تكلمي فكليّ آذان صاغية ،فتنهدت خلود ولم تعرف بماذا تُجيب ، أو بالأحرى ماذا عليها أن تقول في هذه اللحظات ؟؟
وسكتت برهة لكي تتمالك أعصابها ، فحدّثتْ نفسها أن الحديث لا مفر منه فيجب أن تنتهي من هذه القصة ،فرفعت عينيها لتواجه عيني أختها فوجدت فيهما الحنان والشفقة، فبدأت حديثها بقولها أحببته نعم أحببته من كل قلبي، وسكتت قليلاً ثم قالت : إنني متأكدة أنكِ سوف تفهمينني لأنكِ عرفت ِ الحب ، وكيفية دخوله في حياتنا، أتذكرين عندما أتيت تزفين لي خبر حبك ؟؟
وقلت لي: أن حبك كان من أول نظرة و أنك لا تستطيعي العيش من دونه ، وأنكِ ولدت من جديد ، وأن الحب ليس بأيدينا . و أنا يا شقيقتي لم يكن حبي من أول نظرة وحاولت الابتعاد حاولت الخلاص من كل ذلك الشعور ولكن ... كما قلت ليس بأيدينا الفرار منه، فقالت لها أختها: ولكنك بوضع لا يسمح لكِ .......... وتداركت أختها الحديث فسكتت، ولكن خلود أكملت حديثها وقالت ليس لي الحق أن يكون لي قلب أو مشاعر ولكن هل هذا بيدي ؟؟
هل هذا ذنبي ؟
هل أنا خلقت قلبي لأتحكم به ؟
أليس لي الحق أن أفكر مثل باقي البشر؟؟
ضعي لي أنت حلاً و سأقبل بكل الحلول ولكن لا تلوميني لا أريد أن يضع أحداً اللوم عليّ .
يا إلهي ما أصعب هذه اللحظات يا لهول هذه اللحظات إنني كاتبة القصة أكتبها ودموعي تنهمر و قلبي ينفطر ألماً ،و الأسى يملأ فؤادي ومهجة روحي ، بالفعل إنه أمرٌ صعب ويستحيل التعامل معه ،فأنا أجد بالغ الصعوبة في صوغ تلك المشاعر بألفاظ تعتلي السطور ، لن أعلق أكثر من ذلك على هذا الحديث لأنه لا يوجد لدي تعليق .
قالت أخت خلود لها : الآن ما هو قرارك هل ستستمرين وتتركين القدر يُنهي هذه القصة بقساوة و........؟؟
نظرت إلى الأرض ورافقت النظر بإيماءة من رأسها قائلة لأختها : إنني سأنهي كل ذلك فبلغي زوجك أن يخبر سمير ويقول له لم يكن قصدي أن أجرحه، أ و أسبب له الألم ،ولكن أريد وعداً قاطعاً منكِ أنتِ و زوجك أن لا يعرف سمير الظروف المحيطة بي وخاصة المرض ،وعلى الفور خرجت أختها من الغرفة لتبلغ زوجها الحديث الذي دار بينها وبين خلود وهكذا انتهي الحديث ، ولكن الموقف لم ينته ِ القصة لم تنته ِ عند هذا الحد ، ولكن قرار خلود زاد من تمسك سمير بها يا إلهي لماذا هذه التعقيدات فكأنها تقول له أنها تحبه أكثر ؟؟
وذات مرة عندما كانت تجلس في غرفتها تناهى إلى سمعها جرس الباب ، و كأنه ينادي عليها ، وبعد لحظات سمعت صوتا ً ، إنه صوت حبيبها يا إلهي ما هذا الذي يحدث؟. كيف جاء بالرغم من رفضي مقابلته ؟
ورفضي لان يتقدم لخطبتي ؟؟
فوضعت رأسها بين يديها قائلة ماذا أفعل ؟
ماذا أفعل ؟
سمعت صوت قلبها يقول لها إنه إصرار الحب هو الذي دفعه للمجيء ، تخيلوا معي لو أحدنا كان في هذا الموقف ماذا سيفعل ؟ لقد كان سمير قادماً مع عائلته لكي يخطبها ، أخذت منها الحيرة و القلق كل مأخذ ، تُرى كيف ستكون وقع المفاجأة على أهلها ؟؟ظلت منتظرة أن يناديها أحد ، ولكن لم يُعيرها أحد اهتمامه ، وبعد حوالي ساعتين فُتح الباب وخرج سمير مع أهله ، وخرجت هي من غرفتها لتجد الوجوم يسيطر على الوجوه !!!.
تُرى هل هي المُفاجأة أم الرفض ؟
ونظروا إليها نظرات لم تدرِ أهي الشفقة أم الاتهام ؟؟
.............
يُتبع
بقيت الأمور على ما هي عليه يومين من الزمن ،
لم يحدثها أحد في ما جاء إليه سمير وعائلته،
وكأن لا أحد يريد أن يفتح باب النقاش في
هذا الموضوع ، أو لأن هذا الباب لو فُتح
الله أعلم كيف سيُغلق؟؟ .
بعد أيام اتصل سمير وكانت هي مَن ردت
على هاتف البيت ، وطلب مقابلتها لآخر مرة
ووعدها أنه لن يتطفل عليها أو يُزعجها مرة أخرى ،
فوافقته على طلبه ما دامت هذه هي النهاية .
وهل تعرف هي أو يعرف أحد ما هي النهاية ؟؟
حتى أنا كاتبة هذه القصة حتى اللحظة لا أعرف كيف
ستكون النهاية ، بل تملكتني الحيرة كيف
ستكون النهاية.
ذهبت خلود في اليوم التالي إلى مكتب سمير
ولم تكد تقع عيناها عليه حتى دارت بها الأرض
ولم تستطع أن تسيطر على نفسها وتساقطت
الدموع من عينيها ، ولم تعرف ماذا تفعل في هذه
اللحظات، فقد كانت الحالة التي وصل إليها
سمير يُرثى لها ، فلم يعد سمير الباسم
المتفائل لقد خفَّ بريق عينيه و سكنهما الحزن
وغشيهما الضمور ، وهي لم تكن أحسن حالاً منه ،
فما أصابه أصابها طالت لحظات الصمت بينهما ،
يا الله كم كانت قاتلة ؟؟ وكأن سمير كان
في حيرة من أمره بماذا سيبدأ حديثه؟؟
هل بالعتاب و اللوم ؟؟
أم بالحب والشوق ؟؟
وكانت خلود تفكر في شيء واحد، كيف ستخرج
من هذا الموقف؟؟
وكيف ستصارحه؟؟.
تخيلوا أنها كانت أسرع وأجرأ مما توقعت هي نفسها ،
ومما توقع سمير وبدأت الحديث قائلةً :( مريضة )
وانفجرت بعدها سيولا من الكلمات والدموع
والاعتذار عما حدث، وكل ما كان مكبوتاً
داخلها في الأيام السابقة ، تحدثت بالأشياء
التي كانت تحرمها من النوم وراحة البال ،
نظر سمير إليها نظرة لم تعرف معناها ،
ولكنها تجاهلت نظرته وواصلت الحديث، قائلة له :
إنني مريضة مرض خطير لا شفاء منه ، ولا أستطيع
الزواج والارتباط بشخص لأسباب مرضي، وهذا هو سبب
رفضي لك، رغم أنت الوحيد الذي تمنيت الشفاء من أجله
فقط ، ولا تقل لي : لماذا لم تصارحيني منذ البداية ؟؟
لأنني سأجيبك أنه ليس بيدي، لقد سيطر حبك على كل
كياني، ولم أستطع مقاومته فسكن الروح والجسد وجرى
مجرى الدم في العروق ، وأنا الآن لا أعرف ما هو الحل ،
وكيف لي أن أعوضك عن كل ما سببته لك من ألم ، إنه
ليس بيدي أي شيء ، فتقدم منها سمير و أمسك بيديها
قائلا : باستطاعتك أن تجعليني أسامحك ، وأن تنقذيني
من هذا العذاب بأن لا تتخلي عني أبداً ، فأنا أريدك أريد
حبك ولن أتخلى عنك حتى لو لم يُمهلك المرض سوى يوماً
واحداً، أريد أن أعيش معكِ هذا اليوم ، أريد أن أتذوق
الحب و الألم معك، مهما كانت الظروف........... أرجوكِ
ساعديني وترقرقت الدموع في عينيه.
يا إلهي هل يستطيع أحد أن يتصور هذا الموقف الذي
وصلت إليه هذه القصة؟؟
هل الصعوبة تكمن في إخلاص الحب من كلا الطرفين؟؟
وهل حدة ألم الفراق يكون أصعب من المرض نفسه؟!
لنتابع القصة عندما قال لها سمير: لا يهمني المرض ولا
يهمني ما أعانيه ، المهم انكِ أحببتني إنني لا أريد سوى
ذلك قالت له : إنك لا تعرف ما هو المرض الذي أعانيه
منعها من إكمال الحديث وقال لها إنني لا أريد أن أعرف ،
ولا يهمني اسم المرض ، أنتِ قلت: أنه مرض مميت، و
أنا قلت: لا يهمني مهما اختلفت أسماؤه ، فإن القرار
واحد، والحب هو المرض الذي أريد أن يسيطر على كلينا .
هنا الحيرة التي تسيطر على الموقف كله، يا تُرى هل
تشتري سعادتها وحبها وتتخلى عن الألم ؟؟
وهل ستترك القدر يُقدر لها كم ستعيش في حضن هذا الحب ؟؟
وماذا لو كان هو يريد العيش بالقرب من مرضها ليسمع
أنينها ؟؟
وهل هي سترضى أن يتعذب من أجلها ؟؟
فقالت في نفسها يفعل الله ما يريد ، وهنا قطع حبل
أفكارها قائلا لها : ألم يحدثك والديك عن مجيئنا ؟؟
ألم يأخذوا رأيك؟
أخبروني بأنهم سيردون على طلبي في أقرب فرصة.
فقالت: لم يسألني أحد عن شيء ، وإن سئلت ما كان ليجدي نفعاً ..........
يُتبع
نور القمر
فقال : أنه ليس من حقهم أن يقرروا عنها انها الوحيدة المخولة في قرار حياتها
قال لها : سأعود بعد أسبوع لأعرف ما هو ردهم ،أريد أن أعرف ما هو رأيك
؟؟؟؟ تأكدي أنني لن أتخلى عنكِ مهما حدث ،وكلي رجاء أن تُجيبي على طلبي
بالقبول لكي تتوج السعادة قلبينا .
الصمت كان جوابها على ما تحدث به سمير، والصمت هو ما أحاط بهما ،
والصمت هو الذي أجاب وعبر عن الحيرة و الألم ، وبسرعة هربت من المكان و
أخذت قدميها تسرع حتى خيل إليها أنها تطير في الهواء لتبتعد في أقصى سرعة
عن المكان الذي يوجد به سمير، وانهمرت دموعها ترافق خطواتها.......
كم ذاقت من الآلام و العذاب !!!!!!!!!.
عند دخول الحب قلبها خيّل إليها أنها ستعيش في سعادة كبيرة ، خيّل إليها أنها
لن تعرف الألم أبداً ، و تخيلت أن حلاوته ستستمر للأبد ، وستحل حلاوته محل
مرارة المرض ، ولكن كل ذلك أصبح سراب ووهم ، وها هي أصبحت في موقف
أشبه بالمصيدة ، لا تعرف كيف ستنقذ نفسها منه ، يا تُرى ماذا سيكون ردها
؟؟المسكينة لا تستطيع الرد أبداً لأنها تحبه نعم تحبه ، و أيضاً لا تستطيع القبول
لأنها تحبه .
إنها تفكر بالرفض أو القبول ، ولكن يا تُرى ماذا بشان قرار أهلها ؟؟هل
سيرفضون أم سيقبلون ؟؟هل سيناقشونها في الموضوع أم سينفردون بالقرار؟
عند وصولها البيت دخلت غرفتها مباشرة، وأغلقت الباب لأنها في حاجة أن
تكون لوحدها ، لا تريد رؤية أحد أو الحديث مع أيٍّ كان، ارتمت على سريرها لا
تفكر سوى بالنوم الذي رقد بين جفنيها، ولتهرب من الأفكار التي تزحف إلى
عقلها كقطع ٍ من جليد.
نامت وقتا طويلا وخيّل لها إنه فقط لحظات ، استيقظت في منتصف الليل ، لم
تعرف كم هي الساعة ،ولكن لا يوجد هناك أي إشارة للحياة حولها أو أي مؤشر
لبزوغ النهار ،أخذت تسترجع ما مر بها من أحداث وتصورات واتخاذ قرارات
.......!!!!!!.
يا للمفاجأة بهذه السرعة تتخذ القرار ، وكم كانت جريئة في اتخاذ القرار ،
في الصباح ذهبت لزيارة أختها، وقد عزمت الأمر على مصارحتها ،لعلها تمد إليها
يد المساعدة ،وأخيراً وصلت لمقصدها وانفجرت قائلة لأختها قرارها ، فقالت
أختها: أنها تعلم بالأمر من أمها ، واتخذ الأهل القرار بالرفض ، فطلبت خلود من
أختها أنها تريد مناقشة الموضوع مع أسرتها ، وبالفعل تدخلت أختها فذهبت في
زيارة لبيت أهلها بعد العصر ، ومهدت للموضوع ،وأخيرا جلست خلود مع أبيها
في غرفتها الساعة العاشرة مساءً ، فخاطبها قائلا: بُنيّتي إنكِ سمعتِ بالشاب
الذي تقدم لخطبتك منذ أيام ، وأنت لا شك تعرفين لماذا لم نتحدث معكِ في هذا
الموضوع ؟؟؟لأنكِ تعرفين بالطبع ماذا يُفترض أن يكون الرد؟؟ عم الصمت المكان
وتوالت لحظات الصمت وكأنه هو لغة الموقف ، شعرت خلود بالإعياء ، وكانت
غمامة سوداء تُغطي عينيها ،وشعرت أنها لا ترى شيئاً ،أو أنها لا تريد أن ترى
شيئاً، وشعر والدها أنها ليست كما يُرام، فخاطبها قائلا : سنتحدث لاحقاً ارتاحي
بنيتي ، وخرج من الغرفة ، استلقت خلود على سريرها ببطْْء ونادى أبوها على
أمها، فجاءت مهرولة فغمرت عينيها الدمعات لرؤيتها على هذه الحالة ، حيث
كان هم والديها راحتها من عذاب لن ينتهي و ألم متواصل يسكن الأوصال كزخات
مطر ، وهكذا مضى الليل وبزغت شمس نهار جديد ، ومضى ليل آخر و المعاناة
كما هي.
آآآه يا خلود لو كانت الظروف غير ذلك ! لو لم تكن عقبة المرض موجودة لكانت
هذه القصة أجمل قصة يتوجها الحب و الأمل، ولكن قدرك هكذا أنت لم ترتكبي أي
خطأ ، ولكنه القدر ومشيئة الله، هو النصيب في الحياة فيا غاليتي إن الطيور
الجريحة تتلوى من الألم دون أن يرى دموعها أحد، وأنا أعرف أنكِ تتألمين، إنكِ
عزيزتي لم تفشلي في قصة حبكِ ،ولكنكِ أُرغمت على الفشل .
هذه السطور كانت كلمات أختها لها في سبيل مواساتها، ولكنها لم تنجح، فكل
كلمات العالم لا تفي لكي تمحو خطوط الألم من وجه خلود ،فهي كأنها كبرت مئة
عام .
في هذه اللحظات لم تجد سوى الدمع رفيقها الوحيد الذي يسلو وحدتها ،كيف لها
أن تقف في وجه أبيها و أمها وتقول أريده أحبه، ولكن من أين لها الشجاعة .
خرجت أختها وهي تعرف ماذا تفعل، فذهبت إلى والديها وشرحت لهما حال خلود،
ورأت كم يتألم والداها لأجلها ،وهي تعرف سبب رفضهما ،ولكن الحقيقة صعبة و
الواقع أليم .
بقيت خلود على هذا المنوال عدة أيام، تعاني من الأرق والعذاب الكثير الكثير ،
وبعد مُضيّ أسبوع قررت أن تذهب لترى سمير، وبالفعل ذهبت وسردت له الذي
حدث بينها وبين والديها ،وهنا ظهرت علامات الغضب على وجه سمير، وقال
لها :لا يستطيع أحد أن يقف في وجه سعادتها.
وقرر أن يذهب إلى والديها ،وبالفعل في اليوم التالي كان في بيتها، ووقف أمام
والدها فقال له مباشرة: لماذا ترفض ؟
فانا أعرف كل شيئ وأعرف بمرض ابنتك ! و موافق أن أتزوجها وأرافقها في
الحياة بحلوها ومُرها ، فتساءل الأب في نفسه لماذا سمير متمسك بزواجه من
خلود هكذا؟؟ ولكن عناده و إصراره ازداد و أنهى المقابلة مع سمير.
وفي اليوم التالي جاء سمير وزوج أختها وبعض من أصدقاء الأب كهمزة وصل
بينه وبين والدها ولكن الأب رفض.
يتبع
أيها القارئ في هذه اللحظات الحزن قد خيم على المكان، وكم كنتُ أتمنى تبديل الأحداث التي تحمل الأسى و الألم لأحداث ٍ أخرى تبعث بالسعادة وراحة البال ولكن قصتي باتت معروفة النهاية ، وقد يتساءل البعض
ما الداعي لإكمالها وقراءتها ما دامت النتيجة الحتمية واحدة ؟؟
ولكن هكذا كل بداية لها نهاية
وكل قصة لابد أن تفي بغرض كاتبها ،
فالحياة أيضاً لابد وأن تنتهي إلى الفناء والعدم .
كم أنا منشغلة ، كيف يمكنني التعبير عن باقي القصة؟
وكيف لي أن أبث المشاعر فيها؟؟ وكيف أعبر عن كل
هذا الألم والحزن ؟؟ فالألم والحزن في هذه القصة
هما أكبر من الكلمات نفسها ومن التعبير نفسه .
المهم هو أن سمير ذهب مرة أخرى إلى بيت خلود
في محاولة يائسة علّ القدر يقلب الموازين ويغيّر ما في قلب
والدها الذي يقسو عليه وعلى ابنته دون أن يدرك
تلك القسوة ، فكيف له أن يعرف أن شقاءها
في سعادتها و سعادتها في شقائها ، نعم هذه هي
الحقيقة، فهي عندما تريد السعادة لن تجدها إلا
للحظات قليلة ،وعندما تسعد فإن الشقاء لا محالة
يغزو بقسوة لحظات سعادتها ويحاول بعنف خطف
الابتسامة من شفاهها، بالإضافة إلى مرضها
الذي هو الشقاء بعينه .
ولنرجع لإكمال حديثنا كانت المفاجأة
كبيرة وعظيمة لم تخطر في بال سمير الذي
كان يتقدم خطوة ويرجع أخرى للوراء، وكأنه
يعرف نتيجة مقابلته مع والد خلود مسبقاً ،
ولكن بالفعل لا يعلم الغيب سوى الله القادر
على كل شيئ، جاء الأمر سريعاً، حيث
فاجأ الوالد الجميع بموافقته، فعمت الابتسامة الوجوه،
وارتسمت الابتسامة على شفاه الحضور،
ولكن ما زال الخوف والقلق يسكن النفوس ،
وتظاهر الحضور بعدم وجود كليهما حتى لا تفسد
لحظات السعادة بمجرد الخوف من المجهول .
لن أطيل عليكم في الحديث أكثر من ذلك ،ولن أتخم
القصة بالإطالة التي لا جدوى منها، ثم تحدد موعد الخطبة
بعد أسبوع فقط ،فكان قرار الأب بالموافقة بعد أن علم أن
كليهما يحب الآخر فربما تزور السعادة قلب ابنته المفعم بالحزن
والأسى ، ولن يكون عُرضة في يوم ما لتأنيب الضمير .
كم كانت سعادة خلود في تلك اللحظات ، حيث أن الأب
لمح بريق السعادة و الأمل في عيني ابنته لأول مرة،
وكأنها ولدت من جديد، لم تكن هناك فرحة أكبر من
تلك الفرحة التي سكنت قلب كل من سمير وخلود ،
فبدأ الحلم في التحقق بعد أن كاد اليأس يتسلل إلى
قلبيهما، فشعرت أن قلبها كاد أن يتوقف عند تحدد
موعد الخطوبة، وشعرت أنها لا تحتمل هذه الفرحة العامرة .
هل تكون السعادة هي مصدر الشقاء ؟
وهل من الممكن أن تتسبب السعادة في هلاكها ؟
يا إلهي احتار القلب بين السعادة والشقاء،
فكلاهما هنا مثل السم الذي يفتك بمن يتناوله، وكأن
الفرح يأبى أن يدخل قلبها ،وكأن السعادة ترفض
أن تُغلف حياتها وتخفف معاناتها ، فيا لها من معاناة
طويلة وأليمة، وكم كانت هذه اللحظات مهمةً ًلها،
كم كانت هذه اللحظات هي الأمنية،
هي الحلم ،هي الأمل للغد القادم .
ولكن أين هو الغد من أنياب المرض
تنغرس في كل خلايا جسدها ،يا الله كم هذه
المشاعر موحشة ومؤلمة؟ كم هي الحياة قاسية في هذه الأثناء؟.
ما زلت أستوقف نفسي بين السطور علّي
أُلملم ما أشعر لكي أستطيع إكمال القصة،
ولعلي أجد القدرة على صياغة العبارات لتفي
مقصود المعاني والإحساس.
ولكنّي أجد نفسي عاجزة عن التعبير،
فكيف لي أن أوصل لكم تلك الأحداث
بما تحتويه من ألم وحزن، وكم اجتاحني الشعور
بالحزن في هذه اللحظات لم اشعر به طيلة حياتي .
سقطت خلود على الأرض، و كأن هذا ما
كانت تنتظره ،تنتظر أن تكون يدها في يد
سمير وخاتم الخطوبة في يدها، صراخ قد
عمَّ المكان والجميع يركض لا يعرف أيٍّ منهم
التصرف بلباقة فيما حدث، هل يطلبون الإسعاف؟
أم يحملونها إلى المستشفى القريب ، ولقد كان الأسرع
سمير فحملها إلى سيارته دون أن ينتظر أحدا، و أخذها
إلى المستشفى ،وهناك ....هناك رأى الجميع الدموع
تنهمر من عينيّ سمير، فالحبيبة بين ذراعيه لا
حول لها ولا قوة، الحبيبة تعاني ولم يكن يعرف
حينذٍ أنها النهاية ، ولا داعي للتفصيل
الطويل لأن ذلك يشل حركة يدي التي تُمسك بالقلم .
استيقظت خلود من غيبوبة استمرت ساعات
فوجدت الجميع حولها، فمنهم مَنْ يبكي ومنهم
من يحاول تجميد الدمعات، ومنهم من تنطق الشفقةَ َ
عيونُهم بما يريدون قوله .
سئمت خلود هذه المشاعر وكرهت نفسها لِما سببته
من حزن لمن حولها، تمنت أن ينتهي هذا الكابوس
الذي لازمها سنوات وسنوات دون أن تشعر،
مثلما دب فيها المرض دون أن تشعر به ولكن
هيهات أن ينال المرء ما يتمناه، وهيهات تكون
البداية مثل النهاية، فتساءلت في نفسها يا تُرى
هل هذه هي النهاية أم أنها ستستكمل لحظات
الفرح التي بدأت للتو؟؟ يا هل ترى ستسعد
لحظات أخرى بجانب من تحب؟؟
لا يختلف الأمر عندها كثيرا لأن الذي
سيفرق بينها وبين حبيبها هو نهاية محتومة
وهي الموت، وليس الغدر أو الخيانة .
دخل الطبيب المعالج الغرفة فوجد الجميع في
حالة وجوم مترقبين ما يمكن أن يخبرهم به الطبيب
فطلب من الجميع الخروج ،وتحت إصراره أحنى
الجميع رؤوسهم مجبرين على الخروج فخرجوا ولكن
سمير طلب البقاء معها وأصرت خلود على بقائه معها .
جلس سمير بجانب خلود وهو ممسكاً بيديها متأملاً
وجهها الشاحب ومراقباً حركة جفنيها ، فتارةً تفتح عينيها
وتارةً أخرى تغمضهما ، لم يتحدث أحدهما ولم يهمس
أحدهما للآخر، ولكن عيونهما همست وتحدثت بالكثير
الكثير ،إذ يعجز اللسان عن النطق والتعبير
عما تحتويه هذه اللحظات من مشاعر متضاربة
مثل الألم و الحب و الحزن والشوق .
استمر الحال على ذلك تتكلم العيون وتتمتم الشفاه
إلى أن تشبثت بيديه، و كأن شيئاً يجذبها
بعيداً عن من تحب، و كأنها تخشى أن يحول الفراق
بينهما وهو أيضاً تشبث بيديها ودموعه تنهمر على وجنتيه،
وكذلك انهمرت دموعها لتتلاقى مجاري الدموع
كأنه عناق دموع الأحبة .
يا إلهي ما أصعب هذه اللحظات، وكم كان
الألم يحيط بهذين العاشقين، وكم كانت الحسرة
ترفرف فوق قلبيهما ، وشبح الفراق يكاد أن
يدق الباب أو حتى يدخل دون استئذان ،
فهذه هي الحياة ، لقاء وفراق ، أليس بعد كل
لقاء فراق ؟ و أحياناً يأتي لقاء بعد الفراق،
ولكن هنا لا يوجد سوى الفراق .
بقى كلاً من سمير وخلود يحدق أحدهما في الآخر،
إلى أن تفوهت باسمه قائلة له : سمير إنني ...
فرد عليها قبل أن تُكمل حديثها وأنا أيضاً أحبك ،
أريدك بجانبي فلا تتركيني وحيدا لأنني سأعاني فراقك
وبعادك طيلة عمري،وفجأة تمسكت بيديه بقوة
و ضغطت على يديه وكأنها تقاوم شيئاً ما .
لقد شعر بها، ولكن لا حول له ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ،
فما كان منه إلا أن انهمرت دموعه بصمت وهي
أيضاً كانت تحدق به بصمت، ولكن يدها استمرت
في الضغط على يده وكأنها لا تريد أن تشعره بما تعاني .
يا للحب حتى في هذه اللحظات لا يريد الحبيب
أن يعاني حبيبه من الألم، تفوهت بكلمة كانت الأخيرة في هذه الحياة بالنسبة لخلود .
قالت له :أحبك يا سمير .
ما زالت عيناها مفتوحتين ولكنهما خاليتان من الحياة .
هذه الصورة بحجم اخر انقر هنا لعرض الصورة بالشكل الصحيح ابعاد الصورة هي 1024x768.
بقيت يدها بين يديه بدون نبض أو حركة ،
وهنا عرف سمير أنه لن تكون هناك خلود بعد الآن
عرف أنها فارقت الحياة، تلك الحبيبة التي منحته
الحياة ، والتي عشق الحياة وأحبها من أجلها،
من أجل أن تكون السعادة هي نصيبها في المستقبل
أحنى رأسه ووضعه بجانبها باكياً منتحباً
مااااااااااااااااااااااااااتت .
مااااااااااااااااااااااااتت .وكانت صرخة قوية تلك التي
صرخ بها وهو يقول ماتت ودار حول نفسه و تفجر البركان
بداخله فسأل أسرّة المرضى هل ستعود خلود و
وهز يديها وكأنه بحلم ويريد ان يستيقظ منه
وصرخ بصوت تتصدع له الجدران ويشتكي من
هوله كل مريض يرجو الشفاء .
كانت كلمة خلود تخرج من شفتيه كبركان كإعصار
كعاصفة تحمل في جوفها كل رياح الكرة الأرضية
صاح من عمق الأعماق
خلــــــــــــــــــــــــــــــــــــود .............
خلـــــــــــــــــــــــــــــود ردد اسمها وهو يجرى بغير
وعي في ممر المستشفى ماااااااااااااااااااااااااااااااااتت
خلـــــــــــــــــــــــــــود
كان صوته كالرعد القاصف جاء عليه كل من
كان في القسم الأرضي من المستشفى تجمهر
الجميع بجانب الممر وسمير يجري بجنونه بهذيان بصوته خلـــــــــــــــــــــــــــــود .................خلــــــــــــــــــــــود
لا يوجد ما أصف به هذه اللحظات لأنني بالفعل
أعجز عن وصف مشاعر هذه اللحظات، فلا
أستطيع التفكير في الألفاظ المناسبة و المؤلمة،
انتهت القصة بانتهاء خلـــــــــــــــود .
*** كلمة ختامية ***
لا داعي لوصف مشاعر الأب و الأم لموت ابنتهم
وكل إنسان على وجه الأرض قد تذوق كأس موت
من هم أعزاء غاليين على قلبه ، أعلم أن القارئ لديه القدرة
على الشعور بتلك اللحظات إننا أحيانا نشعر
بالألم في كافة حياتنا التي نعيشها بغض النظر
عن مقدار الألم الذي نحياه فهل يوجد من
يعيش في سعادة دائمة؟ وهل يوجد من لم يذق
طعم الحزن والمرارة ؟!
هذه هي نهاية القصة التي لم أخطط لكتابتها،
جاءت الفكرة سريعاً وانتهت سريعاً حيث
كانت الكلمات تتوافد كلمة تلو الأخرى دون
ترتيب حتى أنني حاولت تغيير مجرى الأحداث،
ولكنني لم أستطع لأنني كما قلت كانت الأفكار
تتوالى وراء بعضها، لا أعرف هل وُفقت في سرد
هذه القصة أم لا ؟؟هل سيعتبرها القارئ واقعية
أم أنها لا يمكن أن تحدث؟؟ إنني لم أتطرق في ذكر
أسماء شخصياتها الفرعية ، ركّزت فقط على بطلي
القصة خلود وسمير.
وهل للاسم أهمية ؟ في رأيي أنه مهما اختلفت
الأسماء فإن المضمون واحد، حتى اسم سمير
وخلود لم أخطط لهما إلا أنهما جاءا بسرعة البرق،
خطهما القلم رغم أنه كان في تفكيري اسمين آخرين،
وهذا يثبت أن إرادتنا هي تحصيل حاصل
و أن الإرادة العظمى و الأساسية في كل
شيئ هي لله الواحد القهار .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تمت بحمد الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق