الاثنين، 6 أغسطس 2012

حسرة وندم


في ليلة عاصفة مليئة بالأمطار و الرياح الشديدة التي تبعث الرعب في قلوب سكان تلك القرية الهادئة الموجودة علي حافة إحدى الجبال العالية، وتلك الثلوج التي حولت الأرض الخضراء إلي لؤلؤة بيضاء تتلألأ وسط الأمطار، العصافير في أعشاشها، الحيوانات تسكن في جحورها، البشر يحكمون إغلاق أبواب منازلهم الصغيرة التي تشبه العلب الصغيرة المرصوصة في شكل هندسي فائق الروعة.
وسط تلك الرياح و العواصف و الأمطار وبين الحقول البيضاء هناك خطوات طُبعت علي الثلج تدل علي أن أحدا ما قد مشي في هذه المنطقة إنه إحدى التجار الذي ضل طريقه وسط هذه العواصف فلم يجد أمامه سوي الاستسلام للمضي وسط هذه الحقول بغير هدي، لا يرافقه في رحلته القاسية هذه سوي حقيبته التي تحتوي علي كل ما يملك كما يرافقه قلبه الذي أصبحت ضرباته تسارع بعضها البعض من شدة الخوف و لسانه الذي يدعو الله في كل لحظة بأن يدله علي أي بشر في هذه المنطقة ولكن هيهات فرحلة العذاب مازالت مستمرة والرجل يمشي ضد الرياح و ضد التيار والأمطار تسدل أمامه ستاراً من اليأس و الضياع، كل ما حوله ساكن لا يوجد أمل في وجود أي مظهر من مظاهر الحياة، أطرافه ترتعش تكاد تتجمد من شدة البرودة
وفجأة رأي أمامه نورا غريباً إنها القرية
وصاح الرجل وهو يهلل من شدة الفرح : "الحمد لله الحمد لله لقد استجاب الله لدعائي أشكرك يا رب"
و استجمع آخر ما تبقي من قواه ومشي إلي أول منزل قابله من منازل تلك القرية التي أنقذته
وطرق الرجل الباب طرقات خفيفة تنم عن نفاذ قوته .
قال صاحب البيت : " من الطارق؟"
فرد الرجل:" عابر سبيل"
فتح له صاحب المنزل و ارتمي الرجل عليه فلقد خارت كل قواه وذهب به صاحب المنزل إلي أقرب أريكة و أجلسه وأمر زوجته بجمع كل ما لديهم في المنزل من غطاء لتدفئه هذا الرجل المسكين و قامت الزوجة بإعداد الحساء الساخن للرجل و بعد أن شربه استعاد قوته التي رحلت منه وأصبح في أحسن حال.
تجمع حوله أهل المنزل وهم صاحب المنزل وزوجته و ابنه الشاب وتبادلوا أطراف الحديث
سأله صاحب البيت: " من أين أتيت، و ماذا حدث لك؟"
رد الرجل :" لقد كنت في رحلة تجارية وضللت الطريق وسط الرياح و الأمطار وفقدت كل من كانوا معي و مشيت الكثير من الأميال حتى استطعت الوصول إلي هنا"
رحب به الجميع و جلسوا معه الكثير حتى ساعة متأخرة من الليل في هذه الليلة العاصفة و شعر الرجل برغبته في النوم، أمسكه صاحب المنزل و أدخله غرفه ولده
كان بهذه الغرفة مضجعان فنام الرجل علي السرير الأيمن من الغرفة بينما ابن الرجل نام في السرير الأيسر منها .
جلس الرجل و زوجته وهم يفكرون كثيرا
قال صاحب المنزل:" إنه تاجر ومعه مال كثير"
فردت الزوجة في فرحة: " هل تفكر فيما أفكر فيه؟ إننا فقراء ليس معنا المال ولو قضينا علي هذا الرجل و ما معه من مال فسوف نعيش في أحسن حال"
فرد الزوج و عينه يبرز منها الشر :" أجل سأقوم أنا بالمهمة قبل طلوع الفجر"

و انتظرا
حتى جاءت اللحظة الحاسمة، تسلل صاحب المنزل إلي الغرفة التي ينام بها ولده و الرجل، كانت الغرفة مظلمة تحسس الرجل المضجع الذي نام عليه الرجل وبهدوء قام بقتله وذبحه.
ثم بحث عن الحقيبة التي بها المال فلم يجدها و تعرق وجهه من الاندهاش، ففتح نور الغرفة و انطلقت صرخة مدوية هزت القرية بأكملها، فلقد اكتشف صاحب المنزل أن من قام بقتله هو ولده و ليس الضيف، استيقظ الرجل علي أثر هذه الصرخة و فهم ما حدث وقال :" بعدما دخلنا للغرفة تسامرنا أنا وهو قليلا وقمنا بتبديل أماكننا"
واجتمع أهل القرية جميعا و عرفوا القصة و أصبحت عبرة لمن يعتبر، ولم ينال صاحب المنزل و لا زوجته سوي الحسرة علي ولدهم الوحيد جزاءاً لهم فالجزاء من جنس العمل.




ليست هناك تعليقات: