الاثنين، 28 مايو 2012

ابو دلامة واحلامه



أحلام أبي دلامة
وأبو دلامة حين يحلم في منامه، تكون أحلامه عبئاً على الآخرين، فهو يراها طريقة سهلة ومضمونة للتسوّل، فهو لا يطلب صراحة، ولكنه يقصّ الحُلُم فقط، وعلى ذلك الذي يستمع إليه أن يفسّر الحلم، وعليه أيضاً أن يحقّقه له، لكي لا ينقلب إلى ضدّه، كما يعتقد مفسّرو الأحلام.  



فقد مرّ يوماً ـ وهو يسير في سوق الكوفة ـ برجل يبيع التمر، وكان في بدء موسم نُضْجه، فأراد أن يحصل منه على شيء له ولعياله، ولكنه لم يكن يملك مالاً في تلك الساعة، فوقف قرب سِلال التمر، وراح ينقِّل نظره بينها وبين الرجل ثم قال:
رأيتك أطعمتني في المنام    قواصر من تمرك البارحةْ
فـأمُّ العيـال وصبيانهـا    إلى الباب أعينهم طامحة
فأخذ صاحب الدُّكّان سلّة من التمر، وأعطاها إلى أبي دلامة، وقال له:
- إن رأيت هذه الرؤيا ثانية لم يصحّ تفسيرها.
******
ومرّة دخل على المنصور فأنشده:
إني رأيتك في المنـام    وأنت تعطيني خيارةْ
مملـوءة  بـدراهـم    وعليك تفسير العبارةْ
فضحك المنصور وقال له:
- امض فأتني بخيارة أملؤها لك دراهم.
فمضى أبو دلامة إلى السوق مسرعاً، وظل يبحث عن ضالته ساعة حتى وجدها، وحين عاد إلى الخليفة، كان يحمل معه (يقطينة) كبيرة جداً.
وما إن شاهدها الخليفة حتى صاح به:
- ما هذه? ألم تقل (وأنت تعطيني خيارة).. هل هذه خيارة?.
قال أبو دلامة:
- عليّ الطلاق إن كنت رأيت غيرها في المنام، ولكني تذكرتها حين رأيتها في السوق.
فصاح الخليفة بأحد الغلمان قائلاً:
- اذهب واملأها دراهم، واحملها معه إلى بيته.
******
ويبدو أن لعبة الأحلام هذه أسهل الطرق للكسب عند أبي دلامة، فهو لا يملك عملاً يقتات منه، ولا مهنة يتكسَّب من ورائها، وكل ما يحصل عليه من هدايا يتبدّد بسرعة على اللهو والعبث ورعاية عائلته الكبيرة، فماذا يعمل?.
لا شيء أمامه غير الأحلام.. فهو يحلم، ويطلب من الخليفة تحقيق حلمه.
مرّة وصل به الحال إلى أقصاها من البؤس والعوز، الدائنون يلاحقونه بتسديد ديونه، وأمُّ دلامة لا تكفُّ عن طلباتها اليومية من طعام وملبس، فجاء إلى الخليفة المنصور، ودخل عليه برداء ممزق، مهلهل، وأنشد:
رأيتك في المنام كسوتَ جلدي   ثياباً جمّـة وقضيتَ دَيْنـي
فكـان بنفسـجيُّ الخـزّ فيها    وسـاجٌ  ناعمٌ فأتمّ زَينـي
فصدّقْ يا فدتْك النفـسُ رؤيا    رأتها في المنام كذاك عيني
فأمر له بكل ما ورد في حلمه وقال له:
- لا تعد تتحلّم عليّ ثانية، فأجعل حلمك أضغاثاً ولا أحققه.
******
وحين أصبحت أحلامه لا تحقّق، حاول محاولة أخيرة لتطوير طريقته في التسوّل، فدخل يوماً على الخليفة المهدي حين قدم من الريّ، فأنشده هذين البيتين:
إني نذرتُ لئن رأيتك سالماً    بقرى العراق وأنت ذو فخرِ
لَتُصلِينَّ على النبي محمـدٍ    ولتملأنّ دراهمـاً حجـري
فقال المهدي:
- صلى الله عليه وسلم، هذا النذر الأول، أما الدراهم فلا.
فقال له أبو دلامة:
- أنت أكرم من أن تفرّق بينهما، ثم تختار أسهلهما.
فأمر المهدي بأن يُملأ حجره بالدراهم. فظلّ أبو دلامة ماسكاً أطراف ردائه والغلمان يصبّون الدراهم فيه، وحين امتلأ قال له الخليفة:
- قم وامضِ.
فقال أبو دلامة:
- لا استطيع.. ينشقّ ردائي.

ليست هناك تعليقات: