الأربعاء، 25 يوليو 2012

غريب..وقصته الغريبة



كانت (حياة) في سن الخامسة عشرة عندما تعرفت على (فادي) الذي كان يبلغ من العمر التاسعة عشرة. كانت تقابله في أحد الأماكن البعيدة عن عيون الناس كلما سنحت لها الفرصة بذلك فيجلسان معاً ويتبادلان الأحاديث والقبلات.


إستمرت علاقتهما معاً لبضعة أشهر وهما على ذلك الحال إلى أن كان يوماً مظلماً أغراهما فيه الشيطان فاستسلما لأوامره وتركت حياة المجال لأن يفعل معها فادي ما يشاء ولم تستيقظ من غفوتها إلاّ بعد فوات الأوان.


بعد فترة من الزمان أحست حياة بأنها قد حملت فأخبرت فادي بذلك ورجته أن يفعل أي شيء لكي ينقذها مما هي فيه، لكنه لم يكترث لها وطلب منها أن تُسقِط حملها فرفضت ذلك بشدة، وحين وجد أنها مصممة على الاحتفاظ بذلك الجنين هدَّأ من روعها ووعدها بأنه لن يتخلى عنها وأنه سوف يتزوجها في أقرب وقت ممكن.


إنقضت أربعة أشهر على ذلك الحمل وبدأت بطن حياة تكبر وتكبر وهي ما زالت تنتظر فادي لكي يريحها من عذابها ويتزوجها قبل أن ينكشف أمرها إنما دون جدوى.


قررت حياة أخيراً أن تضع حداً لمشكلتها مع فادي، فإما أن يتزوجها أو تخبر الشرطة بالأمر، فذهبت إليه حيث كانت تقابله لكنها لم تجده، وكررت المحاولة مرات ومرات إنما كانت تبحث عن سراب فقد اختفى ذلك الشاب والله وحده يعلم مكان وجوده.


يا للمصيبة التي حلت على رأس تلك الفتاة المسكينة فأين تبحث عن ذلك الشاب وكيف تجده فهي لم تكن تعرف عنه سوى أن اسمه فادي، ولا تعلم أيضاً إذا كان ذلك الاسم هو اسمه الحقيقي أم لا، وهو الآخر لم يكن يعرف عنها سوى أن إسمها حياة.


لقد كانت حياة في سن المراهقة ولم يخطر في بالها عندما تعرفت على فادي أنه سيحصل معها ما قد حصل ولذلك لم تكن تهتم لأي شيء إلاّ لوجودها معه، وذلك هو حال بعض الفتيات المراهقات اللاتي لا يدركن عواقب الأمور إلاّ بعد فوات الأوان.


أخذت تلك الفتاة تفكر بأمر ذلك الجنين، فماذا عساها أن تفعل به، أتقتله أم تتركه يخرج للحياة؟ وماذا عن أهلها لو علموا بأمرها، وماذا سيقول عنها الناس وماذا... وماذا...؟ وحين لم تصل إلى أي حل تركت أمرها للأقدار تفعل بها ما تشاء فلعلها تحصل معجزة من السماء وتنقذها من محنتها.


حاولت حياة إخفاء حملها عن أهلها ولكن أين تخفي ذلك الجنين الذي ما زال ينمو وينمو في أحشائها، فلاحظت والدتها عليها ذلك ولم تجد حياة مفراً من أن تخبر والدتها بالأمر ووالدتها بدورها أخبرت والدها، ولكن ماذا كان باستطاعتهم أن يفعلوا فليس أمامهم من خيار إلاّ أن يقتلوا ذلك الجنين أو أن ينتظروه ليخرج للحياة فقرروا أخيراً بقاء الحمل للنهاية وليكن ما يكن.


حانت لحظة الولادة فخرج للنور مولوداً ذكراً لا يدري من دنياه غير أنه يتنفس الحياة وأطلقوا عليه اسم غريب، وهنا واجهت الأم الصغيرة وأهلها مشكلة تسجيل ذلك المولود في الدوائر المختصة ليكون لديه أوراقاً رسمية تثبت شخصيته، فوالد الطفل الحقيقي مجهول الهوية وهم لا يعرفون أين هو الآن ولا يعلمون عنه أي شيء، فقرروا أخيراً تسجيل ذلك المولود على اسم جده وجدته وهكذا كان.


أخذت الأم الصغيرة تربي طفلها الصغير وهي في بيت أهلها وقد ساعدتها والدتها في ذلك حتى بلغ من العمر سبع سنوات، وفي تلك الأثناء كان قد جاء بعض الرجال يطلبون حياة للزواج لكنها كانت ترفض ذلك وتصر على عدم الزواج خوفاً من الرجال وحقداً عليهم بسبب ما جرى لها، ولكن والديها كانا دائما يحاولان إقناعها بالزواج ويخففان عنها قائلين: إن ما جرى لك لم يكن سوى غلطة منك وذلك لعدم إدراكك بالحياة وها أنت الآن وقد بلغت سن الثالثة والعشرين وأصبحت تفهمين أمور الحياة جيداً وتدركين مشاكلها، وأما بخصوص ولدك الصغير فنحن نتكفل بتربيته وبالاهتمام به وسيكون بمثابة ابناً لنا.


كيف لا واسم ذلك الطفل المسكين قد سجل في أوراقه الرسمية على أنه ابنهم وليس ابنها، إذن لم يعد هنالك من مشكلة تدعوها لعدم الزواج.


وهكذا وبعد إصرار أهلها على زواجها رضخت حياة لإرادتهم فتزوجت وذهبت إلى بيت زوجها لتبدأ هناك حياة جديدة تاركة ولدها الصغير غريب ينمو ويكبر في كنف أهلها وكانت تزوره بين الحين والحين وتحنو عليه، ولم يكن زوجها يمنعها من ذلك مع علمه بحكايتها وبالذي جرى لها فيما مضى من حياتها.


مرّت السنين وكبر غريب في بيت جده وجدته إلى أن أصبح شاباً يبلغ الثانية والعشرين من العمر، وكان غريب قد علم مع مرور الوقت من جدته حكاية أمه مع والده المجهول، وهو منذ أن كبر وأدرك أمور الحياة كانت تجول في رأسه دائما فكرة السفر خارج البلاد هرباً من الوضع الذي كان يعيشه وفراراً من الناس ومن ألسنتهم اللاذعة لعلّه بذلك السفر يريح نفسه من الهموم والمشاكل التي كانت تواجهه كل يوم.


وهكذا كان ففي فترة وجيزة من الزمن كان غريب قد جهز كل شيء وسافر إلى أحد بلاد أوروبا.


لم يمضي على وجود غريب في ذلك البلد الأوروبي بضعة أشهر حتى تعرف هناك على فتاة تبلغ من العمر تسعة عشر عاماً، وكانت تلك الفتاة تعيش وحيدة في منزلها الخاص وتفهم وتتكلم اللغة العربية بقدر قليل لأن والدها هو من أصل عربي ووالدتها من ذلك البلد الأوروبي، وقد أخبرته أن والديها يعيشان الآن منفصلين وهي لا تزورهما إلاّ نادراً وهما كذلك، وأفهمته أن مثل تلك الأمور بالنسبة لهم في أوروبا هي أمور عادية وطبيعية وكل إنسان حر في تصرفاته وحياته فلا يُفاجَئ بشيء وعليه أن يعتاد على مثل تلك الأمور.


لقد أحب غريب تلك الفتاة وأحبته وبقيا معاً لفترة من الزمان ثم قررا بعد ذلك أن يتزوجا فعرفّته على والدها ووالدتها لكنه لم يلقى من ذلك الأب أو من تلك الأم أي اهتمام وكأن أمر زواج ابنتهما لا يعنيهما في شيء، ولم يسمع منهما غير أن ابنتهما حرّة في أن تختار للزواج من تشاء فذلك شأنها وحدها وتلك حياتها.


تزوج غريب بعد ذلك من تلك الفتاة ثم أنجبا طفلة صغيرة، وبعد أن أصبح عمر تلك الطفلة ستة أشهر تقريباً سافر غريب مع زوجته وابنته الصغيرة إلى بلده لزيارة أهله، ولما وصل الثلاثة إلى المنزل الذي تربى فيه غريب ( أي إلى منزل جده وجدته) كانت أم غريب هناك في انتظارهم فتعانقوا وتبادلوا التحيات والقبلات ثم جلس الجميع يتحدثون وقد غمرت قلوبهم الفرحة والسعادة.


لقد كانت زوجة غريب تحمل معها بعض الصور الفوتوغرافية لوالدتها ووالدها، وصور أخرى لها مع والديها عندما كانت طفلة صغيرة فأخذت تعرض تلك الصور على الجميع لكي يتعرّفوا على والديها من خلال رؤيتهم للصور، وما إن التقطت أم غريب إحدى الصور التي بدا فيها والد زوجة غريب ونظرت إليه حتى صرخت بأعلى صوتها قائلة:


يا ويلي يا ويلي إنه هو... إنه والدك يا غريب.


وبهت الجميع واحمرّت وجوههم من هول ما سمعوا، وكأن صاعقة من السماء قد نزلت على رؤوسهم فعقدت ألسنتهم وحوّلت فرحتهم إلى حزن عميق، وبقوا هكذا لفترة من الوقت صامتون لا يدرون ماذا يقولون ويفعلون.


إن الذي حصل هو بالفعل مصيبة كبرى وقد حلّت على رؤوس أفراد تلك العائلة جميعاً، وهل هنالك مصيبة أعظم من أن يتزوج الأخ أخته وينجبا طفلة صغيرة دون أن يعلما أنهما أخوان.


تلك هي إحدى النتائج المؤلمة التي يؤدي إليها فعل الزنى، فعدم الالتزام بشرائع الدين والتربية المتساهلة والحرية التي دون ضوابط التي ينشأ عليها بعض الشبان المراهقين قد تؤدي إلى مثل تلك المصائب بل إلى أعظم من ذلك، ولكي لا تحصل مثل تلك الأمور ويندم الإنسان حيث لا يعد ينفع الندم، فقد وضع الله سبحانه وتعالى القوانين التي تُنظِّم حياة الإنسان وحرّم فعل الزنى.


قال تعالى: ]وَلا تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً~32[ الإسراء 17.


 

ليست هناك تعليقات: