الجمعة، 29 يونيو 2012

نحن نريد الحياة ولذلك هربنا " .





الكاتب مصطفى درويش - شبكة رمضان الإخبارية  
تعود بداية هذه القصة الإنسانية إلى عقد الزواج الذي تم في مدينة المشهد الإيرانية واستمرت لمدة 304 يوم حيث كانت النهاية في شهر يوليو من عام 2009 في العاصمة النمساوية فيينا . ومن مشاهد هذه القصة التي هي أقرب إلى الخيال من الواقع جبال شاهقة وقرى نائية ومدن كبيرة . هذه هي قصة " سمانا " و " معتز " اللذان لازا بالفرار من أفعانستان ووصلا حتى العاصمة النمساوية فيينا لتصبح موطنهم الإختياري ولو إلى حين .

هنا تأمل " سمانا " و " معتز " في مستقبل أفضل يبعد 5000 كم عن موطنهم الأصلي التي تشتعل فيه الحروب وكلفته حتى الآن الألآف من الضحايا . وحكت سمانا أنها " مسألة حياة أو موت " لأن كل من عشيرتها وعشيرة زوجها المتعاديتين تصران على قتلهما .
ولكي يتمكنا من الفرار قاما ببيع كل ما يملكان واستطاعا توفير مبلغ 11 ألف يورو وأعطاها عن طيب خاطر للذين يقومون على مساعدتهم على الهجرة إلى الشمال " إلى أوروبا " . وفي أوربا هذه عندما يتم نقاش مسألة الحدود في مواجهة الربيع العربي ومواجهة الآف الفارين من الشمال الأفريقي يكون النقاش أيضاً عن الأسر الهاربة مثل هذه الأسرة الصغيرة . وقد وصل عدد طلبات اللجوء في النمسا في الفترة بين يناير وأبريل 3739 بإرتفاع 16% عن المعدل المعهود . ويأتي اللاجئون الأفغان على رأس القائمة بعدد 710 طلب .

وحينما تروى سمانا رحلة الهروب تكون في عجلة من أمرها وخوف تماماً كما كان الهروب ، وذكرت تلك المخابيء التي كانوا يلجأون إليها على الحدود التركية الإيرانية حيث كانت تضطر احدى الأمهات أن تعطى رضيعها أدوية منومة حتى لاتسمعهم دوريات حرس الحدود . وبعد فترة إقامة قصيرة في العاصمة التركية اسطنبول استقلا قارب مطاطي وتمكنا من الوصول إلى الجزيرة اليونانية ليزبوس . وعلى الرغم من أن القارب لا يتسع سوى لأربعة أشخاص كنا أثنا عشر شخصاً بالقارب . وواصلت سمانا التي تبلغ من العمر 26 عام أن الرحلة في البحر استمرت ثماني ساعات عبارة عن صراع مع الأمواج وعمل متواصل لتفريغ القارب من الماء الذي يتدفق بداخله . نعم إنه الصراع من أجل البقاء على الحياة .

ويقول رئيس منظمة كاريتاس في فيينا أن هناك العديد من الأشخاص يغرقون على الحدود الأوربية ويتم إلقائهم في البحر بينما تغض أوربا الطرف عن مثل هذه الأحداث . وتم قبل أسبوع إنتشال 150 جثة هارب من أمام السواحل التونسية . وفي مايو الماضي غرق أب وأبنه أمام السواحل اليونانية . كل هؤلاء الضحايا كانوا في طريقهم إلى أوربا التي تكلف العديد من الناس حياتهم . وطالب رئيس منظمة كاريتاس بوجوب وجود طرق آمنة للفرار حتى يتمكن هؤلاء من الوصول إلى أوربا كما أنه ينبغي وجود نظام جديد لأماكن الإيواء في القارة الأوربية .

وكان الحظ الطيب من نصيب سمانا ومعتز . فقد تمكنا من الوصول إلى احدى معسكرات الإيواء المكتظة في العاصمة اليونانية أثينا . ولكن السلطات اليونانية التي تعاني الأزمة المالية قامت بإلقائهم في الشوارع . واستمرت إقامتهم بالشوارع والحدائق العامة لمدة عشرة أشهر حيث " كنا نأكل مما نعثر عليه " . وعلمت سمانا أنها حامل وهي في أثينا . فقررت هي وزوجها مواصلة الهروب إلى بلد تعامل اللاجئين معاملة أكثر إنسانية ، واستطاعا الوصول إلى النمسا عن طريق ايطاليا بواسطة جوازات سفر مزورة . وهنا في فيينا ولدت سمانا أبنها إرفان منذ أربعة أشهر . وبقى الطفل شهراً كاملاً بالعناية المركزة بالمستشفى العام في فيينا . وقد تحسنت صحة الجنين وأصبح في حالة طيبة . وقالت الأم في صوت ضعيف " نتوجه للأطباء من إعماق قلوبنا بخالص الشكر والعرفان " . كما توجهت الأم بنداء إلى النمساويين أن يتفهموا موقفهم " نحن نريد الحياة ولذلك هربنا " .


وعلى الرغم أن هذه الأسرة الصغيرة لم تحصل بعد على حق اللجوء إلا أن الثلاثة يتمتعون بالوضع القانوني حق الحماية الإضافي . كما يمكنهم البقاء بصفة مؤقتة في فيينا . وماذا بعد ؟ يقوم معتز بحضور دورات تعلم اللغة الألمانية لكي يستطيع الحصول على فرصة عمل . وماذا عن الطفل الرضيع إرفان ؟ يجب أن يحظى بمستقبل أفضل وأن يصبح طبياً أو مهندساً .

" اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها ، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الأخرة "




ليست هناك تعليقات: